بقلم: عبد المنعم سبعي
لا تكاد السياسة تستقر على تعريف أو مميزات، فقد تكون هي التعجل المصاحب للصخب، عندما تكون مهمة عشق الثوار في الجبهات الحمراء، وقد تكون هي الخجل وتلك حالة الصوفي الذي يدخل أسوار مقر حزبي كما يلج غارا للتعبد، وقد تكون هي فن التواصل وملكة الإنصات، وإبداء التنازلات، وهنا يصبح السياسي تتوزعه الرغبة والمجد كما يحركه الذاتي والعام، والسيد محمد أوجار في اعتقادنا من هؤلاء.
فالذين يعرفونه يعرفون هدوءه ودماثته وسجاياه الأخلاقية ولمساته الإنسانية، لكن الذين عاشروه عن قرب يهابون صعقاته عندما تداس كرامته أو يحس بالدسائس والمكائد تحاك من حوله. الابن المذلل لأحمد عصمان، ورفيق مصطفى المنصوري، ومصاحب عزيز أخنوش… للرجل تاريخ مكتوب في صفحاته هو تاريخ االتواصل وتذويب الخلافات، وله فكر يتصل به مع العالم برمته إنه الفكر الحقوقي والانساني والديبلوماسي.
يكاد السيد محمد أوجار المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار بجهة الشرق يقنعنا بأن الإيمان بالفعل السياسي لا يكون حقيقيا إلا إذا كان إيمانا بما بعد الماضي، والذي يرى حرص السيد محمد اوجار على عشق المستقبل قد يعتقد انه جاء إلى الحقل السياسي بدون ماض، والعكس هو الصحيح، والماضي هنا يؤشر عليه التحاقه المبكر بحزب التجمع الوطني للأحرار أي منذ ريعان شبابه واشتغاله على تطوير جريدة الحزب “الميثاق” وتدرجه في حزب التجمع دفاعا ونضالا إلى أن ذيع صيته كأصغر وزير بحكومة اليوسفي الأولى.
ولد السيد محمد أوجار بإقليم الحسيمة في سنة 1959، ولزمان ومكان الميلاد رمزية خاصة في حياة الكبار والزعماء، فعندما ولد ذات مارس من هذه السنة ولد تحت نجمة “الاستقلال” التي لم تمض عليه سوى سنتين ونصف تقريبا، وبما أن لحظة الميلاد لا بد وأن تكون متزوجة يشيء ما على حد قول روني شارل، فإن غبار المقاومة الريفية ملأ قدر هذا الرجل كما ملئت منطقة الريف بارودا واستماتة إبان الفترة الاستعمارية، كما أن بناء الوطن والرجوع من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر كما صرح المغفور له محمد الخامس، قد صاحب السيد أوجار منذ نعومة أظافره، وربما تكمن شعرية الحياة ومادتها البلاغية في وجود مثل هذه الإنسجامات الحادة في المسار الفردي الجبلي والمقدور.
منطقة الريف هي فقر الجغرافيا، لكن من حسن حظ التاريخ أن فقر الجغرافيا لا يشل الأجساد والأرحام، ومن سحر التضاريس أن جبال الريف ورثت عن المجد المتوسطي تلك الشحنة الأسطورية التي تظل تجاور المكان حتى بعد أن يخرج الآلهة من الكتابات والسير. لذلك ستبقى جينات الهامة المرفوعة مصاحبة للسيد أوجار في مختلف المحطات التي مر منها هذا السياسي المفعم بالحيوية.
التحق السيد محمد اوجار بجامعة محمد الاول بوجدة ومنها حصل على الإجازة في العلوم القانونية ضمن أفواجها الأولى، وفي هذه الفترة كانت الجامعات المغربية مشتلا حقيقيا للسياسيين وفضاء مليئا بالسجالات السياسية، وفي اعتقادنا أن المرء لن يكون يساريا في فكره وخطابه إذا لم يعانق المعارضة في سن الشباب والفتوة، ويمارسها في رحاب الجامعات وحلقياتها، ونعتقد أن سقف تبني اليسار ممثلا في التعاطف مع حزب وطني لم يكن بعيدا عن هامة وليد ترجيست، كان الابن الطبيعي لطبيعة المرحلة، وسيعرف بعد مسار حياة شاقة أن الخطوة الأولى لا ترسم بالضرورة بفرح المستقبل، عندما سيكتشف أن الولادة السياسية للمغرب الذي في خاطره ولادة دائمة وستكون أصعب من أناشيد الحماس الأولى في ظل الزعماء الكاريزميين، لذلك فإن تبني الوسط من خلال حزب يقوده سياسي كبير من طينة أحمد عصمان سيكون متنفس العديد من العقلانيين والحائرين في تيه التنظير وتنزيل أطروحات بعيدة عن الواقع المغربي، والسيد المنسق الجهوي الحالي لحزب التجمع الوطني للأحرار بجهة الشرق كان أحد هؤلاء. قد يقلل المتتبعون من شأن حزب التجمع الوطني للأحرار، والواقع أنه لعب أدوارا مهمة لم تلعبها حتى الأحزاب المعارضة آنذاك، فهذا الحزب سيدافع عن الراحل علي يعتة رئيس حزب التقدم والاشتراكية المعارض في مرحلة حاسمة، وسيعارض مشروع رفع الحصانة البرلمانية عن محمد اليازغي النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وسيوجه مذكرة إلى جلالة المغفور له الحسن الثاني عند إثارة ملف الاستفتاء في قضية الصحراء، ملتمسا منه ضرورة التحفظ في هذا الشأن، كما وجه له مذكرة أخرى بعد أحداث الدار البيضاء سنة 1981 مؤكدا أن هذه الأحداث لها أسبابها من تفشي الرشوة واختلال موازين العدالة وسوء استعمال بعض أساليب السلطة… لذلك سيعرف التجمع الوطني للأحرار عدة ضربات، بدء بانشقاق 1982 وتأسيس الحزب الوطني الديمقراطي، مرورا بانشقاق 1984 وتأسيس حزب الاتحاد الدستوري ووصولا إلى محاولات الطيب بن الشيخ والحافظي العلوي..
لقد حرص مدير جريدة الميثاق لسان حال حزب التجمع على أن يحقق طموحه في إتمام تكوينه في مجال الإعلام والصحافة والتواصل، لذلك سيستفيد من دورات تكوينية في الصحافة والإعلام بالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والبرتغال، ويقدم أبحاثا كثيرة ودراسات عديدة وكتابات متميزة حول الديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان، كما سبق أن انتخب نائبا للكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهو عضو مؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الانسان، ومسؤول بأول مكتب وطني لهذه المنظمة، وعضو مؤسس لنادي الصحافة بالمغرب، وعضو بالهيئة العليا للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، وانتخب سنة 2013 بالأردن رئيسا للتحالف العربي للمدافعين عن حرية الإعلام… لابد من الاعتراف أن اختيارات مثل هذه، في فترة مثل نلك، ليست بالأمر الهين، إنه يشارف البطولة ويلامس النجاح في أعلى مراتبه، و لابد من التأكيد على أن تراكم مثل هذه التجارب هي التي جعلت منه رجل تواصل بامتياز، نلامس قوته الهادئة في مداخلاته السياسية وأطروحاته التنظيمية، لذلك استطاع أن يذوب العديد من الخلافات بمختلف التنظيمات الحزبية بجهة الشرق، وتمكن من إرجاع تلك القوة للحزب بعدما كان يعيش أرذل أيامه بالرغم من ارتباط الحزب الوثيق بجهة الشرق، ولعل نتائج انتخابات 2021 أكبر شاهد على ذلك، كما أن تراكم مثل تلك التجارب هي التي بوأته لأن يتقلد مناصب كونية في مجال حقوق الإنسان وخاصة في ليبيا.
لا أحد يقول إن الجزء القابل للحياة من العالم لا ينتمي للشباب أو الأبطال أو الشهداء، ولنقل إن السيد أوجار يرعى الشاب الذي كانه، وجرب البطولة والاستوزار والديبلوماسية. وسنرى ذلك بالوضوح الكافي عندما نستقرئ المناصب التي تقلدها فهوعضو المكتب التنفيذي لحزب التجمع الوطني للأحرار، عين في 5 أبريل 2017 وزيرا للعدل في حكومة العثماني. وسبق أن عمل مندوبا دائما للمملكة لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف (2014 – 2017)، وشغل منصب وزير حقوق الإنسان في حكومة اليوسفي (1998 – 2002) وفي حكومة جطو (2002- 2007)، ونائب برلماني بالغرفة الأولى (2002-2007). فهكذا كان السيد أوجار يصنع اسمه في تقاطع مع صناعة الوطن لحياة جديدة وفي محطات متباينة.
بالنسبة للإنسان أن يجد نفسه في موقع تجاهل هو ذاك الألم الحقيقي أو التعاسة التي تعطل جزء من الماضي ويبدو أن أوجار ليس من هذه العينة إنه بالأحرى شخصية وطنية متصالحة مع بدايتها كما هي متصالحة مع خواتمها في السياسة بالطبع. ومع كل ما يقال ضد الرجل أو معه، فلا يمكن إسقاطه من المعادلة، فإليه تنتسب شرائح واسعة من التجمعيين وإليه تنسب حكم وقدرات على التغيير خارقة.
