العيون الشرقية: الطريقة الصوفية العلوية المغربية في ليلة مفعمة بفيوضات رحمة الله العلية ونفحة هواه الصمدية الطاهرة احتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف

ذ. عبد القادر بوراص

في جو روحي مفعم بالأذكار والأمداح والذكر الحكيم، أحيت الطريقة الصوفية العلوية المغربية، كعادتها، ذكرى مولد فخر الكائنات، نبي الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بعد مغرب يوم السبت 15 أكتوبر الجاري، برحاب زاويتها بمدينة العيون الشرقية، وذلك ترسيخا لتجديد الصلة بقيم وتعاليم الإسلام، وتثبيتا لروابطها بجذور هويتها الدينية والوطنية، ونظرا لما تحتله هاته المناسبة من مكانة عظيمة في قلوب المسلمين عامة، والمغاربة خاصة.

وشكل هذا الحفل الديني، الذي نظم تحت شعار “حبيب الله، نبي الرحمة، الرسول سيدنا محمد: النعمة المسداة، والرحمة المهداة”، مناسبة للوقوف والتدبر في دلالات ومعاني ذكرى مولد نور الهدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتقريبها إلى عموم رواد الزاوية، خاصة الشباب منهم، ولقاء لإتاحة وتوفير فضاء روحي للتعبد والذكر والدعاء وتلاوة القرآن الكريم، وتدعيم أواصر الدين، وإرساء أسس الإسلام الوسطي الذي يتميز به المغاربة.

 

الحفل الديني الكبير ترأسه شيخ الطريقة الصوفية العلوية المغربية، الحاج سعيد ياسين القادم من مدينة طنجة، بحضور رئيسي المجلس الإقليمي الحالي والسابق، ومندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بإقليم تاوريرت، ومقدمي مختلف زوايا الطريقة ومريديها والمتعاطفين معها، الذين شدوا الرحال، فرادى وجماعات، في ساعة مبكرة، صوب مدينة العيون الشرقية، من مختلف مدن المملكة، وقلوبهم منشرحة تهفو للقاء أحبتهم في الله وتجديد العهد على الاعتصام بحبل الله المتين والسير على نهجه المستقيم، فضلا عن عدد من شيوخ ومقاديم الطرق الصوفية الأخرى منهم مقدم الطريقة الصوفية العلمية، ونخبة من الفقهاء والعلماء الأفاضل، منهم الأستاذ الحسن ڭرماط، خطيب وواعظ بالمجلس العلمي لبركان، والأستاذ الحسن عيساوي، باحث في الفكر الإسلامي، واللذان أثريا فعاليات هذه الليلة الميمونة المباركة بما قدماه من دروس قيمة ذات صلة وثيقة بموضوع الذكرى المحتفى بها.

وانطلق الجمع المبارك الذي توزع بين الشيب والشباب، بل والأطفال الصغار الذين ألحوا على الحضور رفقة آبائهم في حللهم التقليدية البهية، والذين عجت بهم جنبات مقر الزاوية حتى ضاقت بعددهم رغم رحابتها واتساع رقعتها، (انطلق ) مباشرة بعد أداء صلاة المغرب جماعة، في تلاوة سور من الذكر الحكيم قبل قراءة الورد العام للطريقة (الوظيفة) وسندها .

وشنفت فرقة من المسمعين الشباب، تشع وجوههم نورا، أسماع الحضور، بتراتيل قرآنية شجية، وأمداح نبوية راقية، حلقوا عبرها إلى أعالي السماء بحثا عن السعادة الأبدية، أذكار منحتهم صفاء القلوب ونقاء السريرة، وتغللت في الوجدان لتملأه طمأنينة ودعة وسكينة، وأزاحت عن بصائرهم غشاوة الغواية، ونورت سرائرهم بفيوضات رحمته العلية، فغابوا في عظمته البهية، واستنشقوا نفحة هواه الصمدية الطاهرة.

وفي كلمة توجيهية، أبرز شيخ الطريقة الحاج سعيد ياسين، الأهمية البالغة للاحتفال بهذه الذكرى العظيمة على قلوب المسلمين قاطبة، باعتبارها محطة ذات معاني ودلالات كثيرة تذكرنا بسيرته صلى الله عليه وسلم، منذ ولادته وإلى حين وفاته، داعيا الحضور إلى ضرورة الاقتداء الفعلي بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال محبته، ومعرفة منهجه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة والعبادة والعلم والعمل والمعاملة، لأن من علامات المحب لله عز وجل، يقول العلامة الشيخ الحاج سعيد ياسين، متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه.

وبدوره، ألقى الباحث في الفكر الإسلامي الأستاذ الحسن عيساوي، كلمة قيمة أشار فيها إلى أن ميلاده صلى الله عليه وسلم شكل ميلاد أمة كانت وستظل خير أمة أخرجت للناس. مضيفا ” إنه خاتم الأنبياء والمرسلين الذي أشرقت بمولده الدنيا وامتلأت نورا وهداية بفضل ما تضمنته الرسالة المحمدية من ترسيخ لقيم العدل والمساواة والاعتدال والدعوة إلى العمل الصالح والتسامح بين البشر والتعايش بين مختلف الأديان والثقافات، مع تعزيز كل هذه القيم النبيلة بأمثلة حية وواقعية من السيرة النبوية.

وعرف الحفل أيضا كلمة الخطيب والواعظ بالمجلس العلمي لبركان الأستاذ الحسن ڭرماط، والتي سلط فيها كشافات الضوء على ظروف مولد النبي صلى الله عليه وسلم ونشأته وصفاته الخلقية، ليخلص إلى وجوب الاقتداء بسيرته العطرة للفوز للفوز بنعيم الدارين.

وكان الحفل، الذي حضره، على الخصوص مناسبة رفع فيها ممثل الطريقة الصوفية العلوية المغربية الحاج سعيد ياسين، والحاج محمد مستعين، مقدم زاوية تاوريرت، برقية ولاء وإخلاص إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، تلاها الناطق الرسمي لزاوية تاوريرت الناشط الجمعوي عمر بركاني، وبالدعاء الصالح لجلالته، وبأن يقر عين جلالته بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحبة السمو الملكي الأميرة للاخديجة، وأن يشد أزره بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

جدير بالذكر، أن الطريقة الصوفية العلوية المغربية قد تأسست منذ أكثر من قرن، ويشرف عليها حاليا الشيخ الحاج سعيد ياسين باعتباره ممثلها العام بالمملكة المغربية، وسندها متصل خلفا عن سلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتتوفر على عدد مهم من الزوايا بمختلف جهات المملكة وخارجها، يسيرها مقدمون أكفاء، حيث تشهد لقاءات أسبوعية منتظمة للذكر ودروس في التصوف والتوجيه والإرشاد والتفقه في العلوم الدينية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

استمرار الدينامية التنظيمية للمكتب الإقليمي للجامعة الحرة للتعليم بالحسيمة

الحسيمة: خبراء يناقشون تدبير الموروث الثقاقي في المنتزهات الوطنية