رغم تفوقها في العدد والعتاد ورغم تدريب الأميركيين وتجهيزهم لها، فقد انهارت القوات الأفغانية أمام طالبان.. ما الذي حدث لها بالفعل؟
سؤال حاول الكاتب بصحيفة لوفيغارو Le Figaro الفرنسية هوغ مايو الإجابة عليه في تقرير لفت في بدايته إلى أن هذه إحدى الزوايا الميتة لهيمنة طالبان من جديد على أفغانستان، إذ كيف يمكن لجيش قوامه 300 ألف رجل، أنفقت على تجهيزه وتدريبه القوة العالمية الأولى 89 مليار دولار على مدار 20 عامًا الماضية أن ينهار بهذه السهولة؟ يتساءل الكاتب.
يبرز الكاتب هنا أن هذه الجماعة نفسها لم تتمكن من الاستيلاء على السلطة خلال الحرب الأهلية الأفغانية إلا بعد عامين من الحرب (بين 1994 و1996)، لكن طالبان هذه المرة، لم تحتج سوى لأسبوعين فقط لاجتياح 33 من أصل 34 ولاية تتكون منها أفغانستان.
ويرى مايو أن التفسير الأول لما حدث هو حقيقة كون قوة الجيش الأفغاني قد ضُخمت بشكل مبالغ فيه، فبدلاً من 300 ألف رجل، لم يكن هذا الجيش يتألف إلا من أقل بقليل من 100 ألف جندي، وفقًا لتقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع لمدرسة ويست بوينت العسكرية المرموقة نُشر في يناير/كانون الثاني 2020.
ويضيف أن 18 ألفا فقط من هذا العدد هم من كانوا تحت إمرة وزارة الدفاع الأفغانية، بل إن المحللين العسكريين يقدرون أن نصف أفراد الجيش الأفغاني فقط هم من المقاتلين وهؤلاء يواجهون 70 ألف مقاتل مخضرم من طالبان، مما يعني بالضرورة أن ميزان القوى يميل لصالح هؤلاء المقاتلين الإسلاميين، وفقا للكاتب.
انهيار موجع
ولكن الآن بعد أن سقطت السلطة في أيدي طالبان، يبقى السؤال المطروح، حسب مايو، هو: ماذا سيحدث لهذا الجيش المهزوم دون قتال؟
“لقد اختفى تمامًا”، كما يرى الأستاذ الفخري للتاريخ المعاصر في معهد العلوم بو أكس Po Aix والخبير في شؤون أفغانستان جان شارل جوفريه.
ويعلق الخبير على ما حدث بالقول “نادرًا ما شهد مجرى التاريخ مثل هذا الانهيار الموجع”. ويضيف أن بعض هؤلاء الجنود انضم إلى صفوف جماعات المقاومة، وهكذا يشاع أن نحو 9 آلاف جندي انضموا إلى القائد مسعود في بنجشير (الولاية الأفغانية الوحيدة التي لا تزال خارج سيطرة طالبان) لمواجهة حكم طالبان.
لكن الأستاذ جوفريه يوضح كذلك أن عدة مئات من هؤلاء الجنود ممن يكرهون طالبان والجيش الأميركي على حد سواء انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية، تماما كما حدث في العراق.
ويضيف الخبير السياسي أوليفييه روي أن بقية الجنود “أولئك الذين كانوا في الحاميات، عادوا ببساطة إلى قراهم أو إلى أحيائهم الأصلية”، مشيرا إلى أن طالبان كانت ترسل إليهم أقاربهم لإنذارهم بهجوم وشيك وتشجيعهم على الابتعاد عن ساحة الحرب، وهو ما نجح في ثني الكثير منهم عن القتال، حسب روي، وهو ضابط فرنسي خدم سابقا في أفغانستان.
ويرى جوفريه أن “الأفغاني ليس جنديًا، بل هو محارب رائع، وقرار وضعه في مفرزة عسكرية فكرة سخيفة، إذ هو يقاوم بطبعه الانضباط والتنظيم الذي يخضع له الجيش الغربي”، مضيفا أن “هذا هو الخطأ الرئيسي للأميركيين، الاعتقاد بأن الآخر يفكر مثلهم”.
ويعتقد هذا المؤرخ أن “نقطة التحول” حدثت في 29 فبراير/شباط 2020، خلال اتفاق الدوحة الذي وقعه الأميركيون مع طالبان وغاب عنه أي ممثل للجيش الأفغاني، فرأى الجيش الوطني، حسب الكاتب، داعمه الرئيسي يوقع اتفاق جلاء وليس اتفاقية سلام مع طالبان، وكان ذلك كفيلا بتقويضه “وبمجرد إخلاء الولايات المتحدة للقواعد الكبيرة بأفغانستان، ماذا يتوقع من هذا الجيش أن يفعل، خصوصا أنه يعلم أنه يواجه مقاتلين أكثر تصميماً وأفضل تسليحاً منه؟”، يتساءل هذا الخبير.