نور الدين زاوش
قبل أسابيع قليلة كتب السفير الفرنسي السابق في الجزائر، وهو الضليع في خباياها وشؤونها الداخلية، بأن هذه الأخيرة في طريق السقوط، وأن فرنسا إذا أصرت على أن تجعل كل بيضها في سلة الجزائر فستنهار معها لا محالة، ليعود قبل أيام لكتابة تقرير مطول ومفصل ينتقد فيه بشكل مباشر الاختيارات السياسية لإدارة ماكرون في تدبير الملفات الخارجية وخصوصا ملفات شمال إفريقيا.
مما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة التي عرفتها فرنسا على إثر مقتل الشاب “نائل”، حيث بدت هذه الأخيرة وكأنها في حرب حقيقية، أعادت تقرير السفير إلى الواجهة من جديد؛ فالانهيار الذي تحدث عنه السفير لم تتأخر شرارته في الاندلاع، وملامحه بدت واضحة للعيان أكثر من أي وقت مضى.
إن المتتبع الحصيف لعلاقة فرنسا بالجزائر يعلم يقينا بأنها لا تخضع للمعايير الطبيعية للعلاقات بين الدول، ولا هي تحكمها القوانين المعترف بها من لدن الأمم المتحدة، والتي تجعل الدول مستقلة في قراراتها ومواقفها وتتمتع بالسيادة الكاملة على ترابها ومؤسساتها، فكل صغيرة وكبيرة تبدر من النظام الجزائري، فاقد للشرعية التاريخية والسياسية، يطبخ في مطبخ الإيليزي اللئيم، حتى خطاب الكراهية ضد المغرب، حيث أصبح كل ما تنتجه الطبقة السياسية والثقافية والفكرية والرياضية والإعلامية، من خبث ووضاعة ودناءة اتجاه المملكة المغربية الشريفة، يتم بمباركة فرنسا؛ بل وبإيعاز منها.
إن ما لم تفطن له “ماما” فرنسا، أو ربما فطنت له لكن عجرفتها أعمت بصيرتها، أن أكبر جالية في فرنسا هي الجالية الجزائرية بأكثر من أربعة ملايين مغترب، وأن الشحن ببطارية الحقد والكراهية والضغينة في نفوس هؤلاء الجزائريين حتى ولو كان في اتجاه المغرب، يوشك أن يتغير في اتجاه فرنسا في أول فرصة سانحة؛ هذا ما حدث بالضبط في الأحداث الأخيرة التي شهدت اضطرابات كبيرة وشغبا وتخريبا فاق التصور، والتي كان السواد الأعظم من روادها من الجالية الجزائرية.
حينما تصرح الأمم المتحدة بأن على فرنسا أن تبذل جهدا أكبر لمواجهة خطاب العنصرية الذي يستشري في صفوف قواتها الأمنية، وتنتقدها كما لو أنها واحدة من البلدان التي تحكم بالحديد والنار؛ تشعر بأن فرنسا لم تعد جزءا من أوروبا الثقافة والحضارة والتاريخ، وأنها قريبا ستلتحق بمصاف دول العالم الثالث إذا لم تستدرك ما فات قبل الفوات.