حفيظة بوضرة
أوضح الأستاذ مولاي أحمد الكمون، عضو المجلس الإداري لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول بوجدة، بمداخلته “مستويات توظيف الماء في التراث الإسلامي الأندلسي”، أهمية الماء في الحضارة الإسلامية، انطلاقا من القرآن الكريم، مؤكدا على أنها حضارةُ ماءٍ بامتياز، لارتباط صورة الماء في هذه الحضارة بالحياة، وربط الماء بالنعم ورغد العيش، والقوة، مبرزا ارتباط الماء بالجانب العقائدي والفلسفي عبر استحضاره في العمارة مع مراعاة مختلف الأحداث التاريخية.
وأشار المتدخل، بالمؤتمر العلمي التاسع لمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة، حول “الأمن المائي وأسئلة الاستدامة”، إلى العبقرية الأندلسية في تدبير الماء عبر ست مستويات: المستوى النفعي، التقني والقانوني، بإنشاء أول محكمة ماء سنة 1962م في عهد الخليفة الأموي بفالنسيا، والمستوى الجمالي الفني من خلال تطوير علم البستنة والاهتمام بالماء في فن العمارة، الأمر الذي يؤثر ايجابا على المستوى النفسي، ولذلك سُمّيت الأندلس باسم الفردوس المفقود الدال على الماء.
من جانبه، تطرق الأستاذ فوزي غروس، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الأول بوجدة لموضوع:”الماء في المغرب من النموذج الكولونيالي الى التنمية المستدامة”، مبينا سيرورة الحياة في المغرب، وارتباطها بشكل مباشر بالماء، بداية من القطاع الفلاحي، ومرورا بباقي القطاعات التي تتأثر بدورها بشكل مباشر بوضع هذا القطاع الحيوي.
وتوقف المحاضر عند محورية الماء في مخططات المستعمر لبسط قبضته على مستعمراته، مستشهدا بحالتي المغرب والجزائر إبَّانَ الاستعمار، مُذكِّــرًا بمقولة أحد الجنرالات الفرنسيين: “في المغرب، السلطة تعني هطول الأمطار”، لذلك أكد المحاضر على أنَّ آخر من غادروا الجزائر من المستوطنين الفرنسيين هم الفلاحون لارتباطهم بالأرض والماء. ونَـبَّـهَ المتحدّثُ إلى أن هاجس الماء كان حاضرا في خطط المستعمر الفرنسي، خاصَّة مع نظرية المغرب الكاليفورني ومعناه جعل المغرب سلة غذاء وماء، مع الاستعاضة عن الواردات الأمريكية في هذا المَجال.
وأوضح مسألة التعاطي مع الماء كمادة مهمة يجب تقنين استعمالها من خلال نموذجين: النموذج الكولونيالي، من خلال نظرية الملك العام، ونموذج التنمية المستدامة من خلال حماية المحيط المائي وترشيد استعمال الماء.
من جهته، أشار الأستاذ عبد القادر هكو، نائب عميد كلية الطب، بجامعة محمد الأول بوجدة. في موضوعه: “تدبير مياه الري بالواحة فكيك”، إلى الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الواحات على الصعيدين السياسي والتجاري، مشيرا إلى شرطين متناقضين في قانون المياه المغربي العرفيّ هما الماء بوصفه حقا من حقوق الإنسان، والماء بوصفه سلعة اقتصاديَّـة تخضعُ لقانون العرض والطلب، مؤكدا أن المياه في فضاء واحة فجيج نادرة جدا ومرغوبة، مما يجعل قيمتها أكبر من قيمة الأرض التي ترويها، وهو ما دفع إلى إقامة نظام قانوني يختلفُ تمامًا عن الأنظمة القانونية للمياه في المناطق الغنية بالموارد المائية. وأكد عبد القادر هكو أنَّ قانون المياه في فجيج متجذر في المجتمع، وسبب البقاء في هذه الواحة مع كافة التغيرات الاجتماعية والقانونية المختلفة التي عرفتها منذ آلاف السنين، كما أوضح أن عملية توسعها تأتي نتاجا لعوامل توفير الماء والتقنيات المستعملة لجلبه.
ونبه الأستاذ هكو، خلال هذه الجلسة العلمية الأولى، إلى أن الواحة ليست تصميما طبيعيا. ولكنها نتاج لمجموعة من المجهودات، باعتبارها مجالا يعيش إكراهات داخلية مرتبطة بشكل متداخل بالرطوبة والغطاء النباتي والساكنة.
هذا، وقد توزعت الجلسة العلمية الثانية، من هذا لمؤتمر إلى ثلاث مداخلات، تناولت فيه المداخلة الأولى: “إشكالية الماء: استعمالاته وتدبيره في المغرب بين طبيعة مناخه والتغيرات المناخية، أطرها الأستاذ موسى كرزازي، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط. الذي تناول إشكالية الماء في ظل مناخ المغرب، خاصة أن معظم أراضي المملكة هي أراض جافة، بالإضافة الى التغيرات المناخية التي تعزز وضعية الجفاف، منبها إلى أن أزمة تدبير ندرة الماء لها عواقب سلبية على حياة الإنسان والوضع الاقتصادي، مشيدا بمخطط المغرب الأخضر، باعتباره خطوة مهمة لمعالجة ندرة الماء، لكنه بحاجة إلى تقويم في ضوء مقتضيات تدبير الماء وتحديات الأمن المائي. كما اقترح جملة من التدابير لمواجهة تحدي ندرة الماء.
هذا، فيما تناول الأستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط محمد الشخاوي، في المداخلة الثانية: “مصادر الماء وتحدي التغيرات المناخية” مشكلة الوصول الى مصادر الماء، وتعرضها للتلوث، وتبخر المياه بسبب حرارة الكرة الأرضية، وكذلك الاستنزاف المكثف للماء في بعض المناطق على حساب مناطق أخرى، مما يطرح تقسيما غير عادل للثروة المائية، مشيدا بمبادرة الملك الحسن الثاني في الثمانينات، والتي بفضلها تم بناء مجموعة من السدود، التي وإن كانت قليلة، فإنها ساهمت في تخفيف هذه الأزمة.
المداخلة الثالثة بهذا المؤتمر، كانت حول: “الحق في الماء، ولتدبير الندرة في ظل التغيرات المناخية”، للأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية، بجامعة محمد الخامس، بالرباط محمد الكيحل، الذي اعتبر أن الحق في الماء هو من بين أهم الحقوق التي يشتغل عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، ضمن ما يسمى بالحقوق البيئية،
وأثار الكيحل مجموعة من الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء مشكل ندرة الماء، ومثلها في قلة التساقطات وسوء تدبير المياه، وتدني الوعي المجتمعي، ليصف بذلك مجموعة من محددات ندرة المياه، المتمثلة في المحدد الطبيعي والمحدد البشري، وكذلك المحدد القانوني المؤسساتي.