عبد القادر بوراص
في أمسية ملتقى الفنون التي احتضن فعالياتها رواق الفنون بشارع مولاي الحسن بوجدة يوم الجمعة 11 نونبر 2022، والتي نشط فقراتها بمهارة عالية كدأبه الدكتور جمال حدادي، اعتبر المبدع خالد سلي، في مداخلة قيمة تابعها باهتمام بالغ الحضور النوعي، أغلبهم فنانين وإن اختلفت طريقة تعبيرهم، من مسرحيين وسينمائيين وموسيقيين وشعراء وتشكليين، (اعتبر) العلاقة بين الفنون الجميلة والسينما علاقة وطيدة، لكن الكثيرين يعتقدون أن هناك منافسة بينهما قد تصل إلى حد المقارنة بين من منهما له القدرة على التأثير في الجمهور، لكننا على أرض الواقع وفي التجارب السابقة القليلة على الأقل والتي وظفت فيها الفنون التشكيلية جنبا إلى جنب مع السينما، فإننا نجد أن كلا منهما يمكن أن يكمل الآخر وبشكل جميل.
فإذا كانت بعض التعريفات يقول ذات المتحدث، تعرف الفن التشكيلي على أنه أي عمل فني مصنوع يدويا، يقدم للجمهور الذي يبدي رأيه فيه ويعبر عن سعادته وإعجابه به، وهو ما ينطبق على الفنون التشكيلة والسينما معا وكل الفنون الأخرى، مما يخلق شعورا بالارتياح والانتشاء لدى الفنانين عموما. إلا أن السينما تختلف عن الفن التشكيلي باعتمادها على اللقطات والمشاهد المصورة المتحركة.
ورأى المبدع سلي،أن هناك تشابه كبير بين هذين النوعين من الفنون، كما أن هناك اختلاف بينهما، وأهم ما يبرز التشابه بين الفنون الجميلة والسينما، هو تمكنها معا من نقل أحداث، ثابتة بالنسبة للفنون التشكيلية ومتحركة بالنسبة للسينما.
إن الهم الحقيقي للفنانين والمخرجين معا، هو إقناع الجمهور بأعمالهم والبحث عن الإبداعات التي تحقق ذلك، من خلال استحضار تجارب وذكريات، ومن خلال القدرة على خلق مواقف وصور جديدة، تستعمل فيها جميع التقنيات والوسائل، التي إما اكتسبها بعض الفنانين عن طريق الدراسة والتحصيل، أو في الكثير من الأحيان اكتسبوها عن طريق تجارب خاصة. كما أن الطفرة التقنية التي حققتها وسائل الإنتاج، ودمقرطتها وتطور التكنولوجيا، وكذلك وصولها إلى شريحة كبيرة من المبدعين والتقنيين، خاصة بالنسبة للسينما، خلق تحديات كبيرة لدى السينمائيين، وخاصة الشباب منهم، وهذا ما يدعونا إلى استحضار الزمن الذي كان المغرب وعن طريق المركز السينمائي يتوفر على كاميرا واحدة أو اثنتين، ينتظر المخرجون شهورا عديدة للاستفادة منها، كما أن الدخول إلى المختبرات من أجل استكمال الإنتاج، والقيام بمختلف عمليات التوضيب، والمونطاج، والمؤثرات الصوتية، والذين كان يتطلب في غالب الأحيان شهورا يتم فيها التنقل إلى الخارج.
ويتجلى التشابه الآخر بين الفنون الجميلة والسينما، بحسب ذ. سلي دائما، في الاستخدام المدروس للألوان، التي عليها تكون مناسبة لكل شخصية بناء على ما يميزها، وعلى الرواية والقصة التي يريد المبدع أن يسردها من خلال إبداعه الذي يريد أن يقنعنا به.
فإذا كانت السينما تحكي من خلال حركة الكاميرا، فإننا في الفنون الجميلة أيضا نحكي ولكن على قطعة من ورق او قماش، وطلاء والتي يمكن للفنان التشكيلي أن يقنعنا بتحركها رغم أن كل شيء فيها ثابت.
ومع ذلك، عند مقارنة هذين النوعين من الفن جنبا إلى جنب، يضيف ذ. سلي، سيلاحظ المرء أن هناك أيضا اختلافات كثيرة بينهما، مشيرا إلى أن الأفلام غالبا ما تحتوي على تسلسل من بداية وعرض نصل بعدها إلى الذروةClimax ثم النهاية أوالانفراج(فكر في أي فيلم)، فيما الفنون الجميلة عادة لا تحتوي على مثل هذا الهيكل الذي يمكن التعرف عليه بسهولة بل إن الفنون التشكيلية تحتمل دائما قراءات متعددة، وهو ما يمنحها حرية كبيرة خاصة عندما يتفاعل معها الجمهور، بينما الأفلام فلا بد لها أن تأخذ ترتيبا معينا.
ولم يفت ذ. سلي الإشارة إلى أن الفن التشكيلي قد كان دائما موضوع أشرطة وثائقية حول فنانين تشكيليين ورسامين ومبدعين سواء في المغرب أو خارجه، لكن بالنسبة للأفلام الروائية الطويلة التي تطرقت للفنون التشكيلة كموضوع رئيسي، فأظن أنها قليلة، فباستثناء فيلم يروي حياة الفنانة “الشعيبية” رائدة الفن الفطري بالمغرب، الذي كان من إخراج يوسف بريطل، فلا أظن أن هناك أعمالا أخرى بإستثناء أفلام سينمائية اعتمدت لوحات فنية لتزيين مشاهدها…
وختم المبدع خالد سلي مداخلته بالتأكيد على أن العلاقة بين السينما والفنون الجميلة حتمية، ما دامت جميع الفنون التي تعتمد على الأطار، و la règle de trois، وعمق المجال la profondeur de champ والألوان، وهنا أتساءل إن كان الموضوع لا يتطلب موقفا من السينمائيين للتفكير جماليا من أجل إبداع سينما جديدة بالمغرب تعطي للفنون الجميلة مكانة رائدة.
جدير بالذكر، أن هذا الملتقى الفني الناجح بامتياز عرف قراءات شعرية بلغة موليير للمبدع محمد عاش على تقاسيم قيثارة الفنان عبد القادر فريحة، رافقهما التشكيلي جلال عيسى في رسم لوحة معبرة توحي بسحر المكان وقدسيته، قدمها للحضور الذي صفق للثلاثي الموسيقي والشاعر والتشكيلي بحرارة. كما قدم نخبة من الفنانين الآخرين حضوريا أو عن بعد كلمات أبرزوا من خلالها علاقة مختلف الفنون بالفن التشكيلي.