كتب: عبد العزيز داودي
منذ السابع من أكتوبر، وطيلة أيام حرب إسرائيل على قطاع غزة، اجتنبت القنوات الإعلامية الغربية استضافة العرب والفلسطينيين في بلاتوهاتها، وحتى وإن تمت الاستضافة يطلب من الضيوف إدانة حماس على عكس المسؤولين الإسرائيليين المدنيين والعسكريين، ولا يطلب منهم إدانة قتل المدنيين، واستهداف الكنائس والمساجد والمستشفيات، كما لا يطلب منهم كذلك تبرير الاحتلال أو التوسع الاستيطاني الذي تعارضه القوانين الدولية، في الوقت الذي يجد فيه الجانب الفلسطيني نفسه مرغما على تبرير مقاومته المشروعة، وحقه المقدس في الدفاع عن النفس، هذا الحق طبعا الذي يسميه الغرب بشكل عام إرهابا.
فمنذ أكثر من 75 سنة من مدة احتلال الأراضي الفلسطينية لم يطلب من المسؤولين الإسرائيليين تبرير الجرائم النكراء التي ارتكبوها في حق الشعب الفلسطيني، ابتداءا من سنة النكبة 1948 إلى سنة 1967، ثم إلى سنة 1973، فاجتياح لبنان في سنة 1982، وما تبعها من مجازر يندى لها الجبين في مخيمات صبرا وشاتيلا، ففي كل حوار لدى السلطة الرابعة في الدول الغربية يصبح المرء أمام محاكم تفتيش حقيقية أفضع من محاكم النازية غايتها تضليل الرأي العام والتأثير فيه، خدمة لأجندة الصهيونية العالمية، مع العلم أنه ومنذ ثلاثين عاما التزمت منظمة التحرير الفلسطينية أمام العالم بنبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل والقرارات الدولية ذات الصلة، وكان على إسرائيل أن تتخذ إجراءا واحدا هو إنهاء الاحتلال وإيقاف الاستيطان، لكنها لم تفعل ذلك، ولم يرغمها الغرب على ذلك، لتستمر في سياستها الاستيطانية، بالرغم من نفاق الغرب المعارض لذلك في الواجهة والمؤيد لها عمليا وبالسلاح والعتاد.
والغريب أن يكون الإعلام الإسرائيلي أكثر انتقادا لنتنياهو، حيث حمله مسؤولية هجوم حماس، ومن ذلك الصحفي الإسرائيلي الذي كتب مقالا في جريدة هاريتس عنونه ب: ” لا يمكن سجن مليوني إنسان دون أن يكون الثمن باهضا” لخص كل شيء، واعتبر أن الأمر لم يبتدأ مع نتنياهو، ولن ينته معه، وعلينا أن نبكي على الضحايا المدنيين بسبب غطرسة من تعتقد أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.
هذا هو الغرب إذن، وهذه هي حضارته وقيمه التي طالما تبجح بها، لكنه سقط في الفخ، وسقط عنه القناع، على اعتبار أن سلطته الرابعة متحكم فيها، وبعيدة كل البعد عن المصداقية والمهنية، خصوصا حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، والأكيد أن الهوة ستتسع بين الشرق والغرب وصدام الحضارات ات لا محالة، لأن الحصار والإرهاب الإعلامي من جهة الغرب، لا يقابله إلا الشعور بالحقد والكراهية لكل ما هو غربي، ولعل ما حدث في تونس اليوم من مظاهرات طوقت السفارة الفرنسية، وطالبت السفير بالرحيل، وذلك للاصطفاف الأعمى لفرنسا بجانب إسرائيل، ونفس الشيء قد يحدث في العديد من الدول العربية والإسلامية، وحتى الأمريكو لاتينية التي ضاقت ذرعا بسياسة الاستعلاء للدول الغربية التي مازالت تحن للاستعمار، ومازالت تريد بسط نفوذها على العالم، فإما أن لا يقل الفلسطينيون عن الأوكرانيين وغيرهم من الشعوب، وإما أن الطوفان ستتسع دائرته..