منير الدايري
.
يحدد لنا تشيخوف في رواية “المبارزة” آفتان يعاني منهما نسبة لا بأس بها من المثقفين، ألا وهما:
الأولى، أن يرى المثقف نفسه أعظم ثقافة وأعمق فكراً من زوجته، فيعزف عن نقاشها ولا يراها أهلا للنقاش. فتجده كالمذياع لا يسكت مع الناس وصامت كمقبرة إن دخل الدار.
وثانيهما: أن تكون هي عظيمة الثقافة فعلا، وتستطيع أن تجاريه في أي نقاش يدور رحاه، لكنه لا يقبل أن يُغلب أو أن يعيش هذه الندية.
في المقابل، يعطينا تشيخوف هذه النصيحة:
“إذا وددتَ أن تُحبكَ النساء فكن أصيلاً، أعرف رجلاً اعتاد على انتعال جزمات اللباد صيفاً وشتاءً، ووقعت النساء في غرامه.”
كثيراً ما سمعت عن استغراب البعض من النساء وكيف أنهن يقعن في حب شخص لا ثقافة له وما هو بشاعر ولا حكيم! ويبدأ سؤالهم: ماذا رأين فيه حتى يحببنه بهذا الشكل وكل هذا المقدار؟
الغريب أن الأمر كان قديماً ليس بمستغرب، فكنا نرى في الأفلام القديمة باللون الأبيض والأسود كيف أن ابنة الباشا وقعت في غرام السائق. ثم جاء جيلنا ليقول إن هذه رومانسيات كاذبة لا وجود لها سوى في الخيال، ولكن ها هي تستمر حتى وقتنا الحاضر بأشكال مختلفة.
يوضح تشيخوف الأمر بأن العالم تشبع بالنُسخ، وبالكلام المكرور، وبمحاولة التميز عن البشر كأننا في سباق أينا يأتي بأغرب سلوك. في هذا الوضع يصبح المتميز الذي يفوز بالقلب والروح الشخص العفوي، الذي يرى في نفسه إنساناً عادياً ليس أفضل من سواه، يصيب ويخطئ، وله رأيه في أمور معينة ولكن لا يستحي أن يقول ” لا أعرف ” عند اللزوم. شخص يقول ما يخطر على باله دون تجميل الكلام أو تغييره ليتخذ من ذلك وضع التعاظم. شخص إن أردت أن تصفه بكلمة قلت عنه: بسيط!
هذا الشخص لن يفشل أبداً في احتلال القلوب.