ذ. بلقاسم سداين
تتلاحمُ الحروفُ، بجانبِ بعضِها البعضِ، وتتوافقُ، وتتآخَى الكلماتُ في تمازجٍ أدبي، وتتآلفُ لتتوالى المعاني وتتعاقب بمهارة فنّية ثمّ ينسابُ إبداعٌ متميّزٌ يتدفّقُ بوْحاً غزيراً من مملكةِ إحساسِ الكاتبةِ “إيمان مقور”، وهي تصنعُ اِسمها داخل سلكِ الكتابةِ الإبداعيةِ، وتشقُّ لنفسِها مكاناً ضمن الفعلِ الإبداعي الأنثوي الّذي تسمّيه أحياناً الدّراساتُ النقدية بالأدب الأنثوي، وأحايينَ أُخرى بالأدب النِّسوي أوِ النِّسائي، أو أدب المرأة… وهو مجالٌ تتكلّمُ فيهِ المرأةُ عن ذاتِها وكيانِها فتُلامسُ قضاياها الكُبرى و الصُّغرى..
“إيمان مقور” تقتحمُ بمهلٍ عالمَ الإبداع والكتابةِ، وتساهمُ في الحركة الثّقافية رافعة قلمَها تعبيراً عن همومِها ومكنونِها. تحلّقُ بنا عبرَ نصوصِها وخواطرِها المحمَّلةِ بفيضٍ من المشاعرِ الرّقيقةِ، وتنقلُنا إلى داخلِ فضاءٍ إبداعي وهي تركبُ خيالَها بمهارةِ الفارسةِ الفنّية، تغزو، وترتاد فعلَ الكتابةِ والتعبيرِ، وتشقُّ طريقَها بقناعةِ عطائِها في تجربةٍ جادةٍ وجديدةٍ، تدقُّ أبوابَها بثقةٍ خالصةٍ، يسكنُها يقينٌ أنّها تنقلُ إلينا ما تعانيهِ، وتكشفُ لنا عمّا يحملُ وِجدانها من مشاعرَ تشعُّ نبضاً وحياةً، وتسدلُ وتزيح السّتارَ عن عواطفَ مقهورةٍ تترسّبُ بداخلها، وتنبعث من أغوار النفس وبواطنها، فتستنطقُ المسكوتَ عنه، وتبوحُ برغباتها المقموعةِ من أجل أن تذوقَ طعمَ الأملِ، وتلملمَ شتاتَ عواطف تشتعلُ بدواخلِها، معلنةً أنّها تنتمي لذاتِها بثقةٍ في نفسِها.. فنشربُ معها من وعاءٍ أدبيّ تُفرغُ فيه الكاتبةُ خطابَها الفنّي الممتازِ هي محوره ورحاه، يستمدُّ أثرَهُ من بساطة الكلمات القريبةِ من فهمِ العمومِ، لكنّ حمولتَها الدّلاليةَ البعيدةَ لها ثقلُها المؤثر في القاريءِ والسّامعِ، وهي ترسمُ بالكلمةِ ونبضِ الحروفِ برعايةٍ تامّةٍ لخيالها الواسع المجنّح عواطفَ يحتضنُها صدرُها بحرارةٍ ويتّسعُ لها..
فترخي “الأنا” الكاتبةُ بوارفِ ظلالهَا على ربوعِ مساحةِ كلّ خواطرِها ونصوصِها الواسعةِ، والممتدّةِ في التّعبيرِ والذّات معاً.. إنّه بوحٌ ذاتي – بوحُ عاشقةٍ – تفيض أحاسيس، وتتدفقُ آمالاً، وتمطرُ أحلاماً عاشقةً بائحةً بما تحتضنه بداخلها من أسرار تتسرّبُ عبر خواطرها المَبُوحِ بها..
إنّه موقف الذات تجاه ما تكنّه هذه الذات نفسها، فتوظّف “إيمان مقور “، وتستخدم ضميرَ المتكلّم “أنا”، فهذه “الأنا” لها حضور مُرتفع، إنّها الذّات المتكلّمة / البائحة/ العاشقة. وهي تقنيّة يؤكدها البعد الذاتي في الكتابة النّسائية عند العديد من النّقاد والدّارسين.
يقول عفيف فراج في دراسته لإبداع الكاتبات الشرقيات: “إن صلة الرّحم لا تنقطع بين الكاتبات وبطلاتهن، وعنصر السّيرة الذّاتية سافر الحضور، والغناء الوجداني الرّومانتيكي دائم التّدفّق وبقبعة الضّوء مركزة على شخصية الكاتبة البطلة”.
فالحضور القويّ للذّات المتكلّمة ذات أنثوية، فهو حضورٌ مكثّف للرؤية من الدّاخل، وتصوير صريح للجانب الداخلي للذّات المتكلّمة /ذاتية الصّوت.
بوح ذاتي من ورائه حوافز ودوافع تجعل الكاتبة تبوحُ من خلال الكتابة عن تجاربَ وجدانيةٍ شديدةِ الخصوصيةِ..
تقول في نص( هناك سبب): “أن تتقلّبَ حياتُك رأساً على عقب، تتحوّل من لا بأس به إلى جيّدٍ جداً، هناك سبب نعم هو شخص يحبّك”.