الصديق كبوري
إن نسبة قليلة من تلاميذ إقليم فجيج هي التي تستطيع الوصول إلى التعليم العالي، وفي تقديرنا ـ وفي غياب إحصائيات رسمية ـ فمن بين التلاميذ الذين يسجلون للدراسة بالإقليم يستطيع أن يصل خمسة منهم إلى ولوج الجامعة أو المعاهد العليا، وتتقلص هذه النسبة حينما يتعلق الأمر بالفتيات، إذ تتضائل نسبة الفتيات المحظوظات اللواتي تضمن مقعدا بالتعليم العالي لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية.
أغلب تلاميذ إقليم فجيج تصادفهم عوائق عديدة إبان مرحلة التعليم العالي، مما يدفعهم إلى التوقف بشكل قسري عن متابعة المسار العلمي والأكاديمي. فمن الصعب الحصول على سرير بغرفة مشتركة بحي بوعرفة أو القدس أو الأندلس أو بدار الفتاة بوجدة، فثمن الغرفة المتوسطة يصل 1000 درهم أو يزيد، كما أن ثمن السرير في غرفة مشتركة قد يتراوح بين 300 درهما و 500 درهما.
هذه الأسباب وغيرها كثيرة تدفع بأبناء وبنات إقليم فجيج إلى الانقطاع عن الدراسة، فنسبة كبيرة لا تطأ الجامعة مطلقا، وما يربطهم بالجامعة مجرد منحة هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع سيستفيدون منها مدة سنتين (كاملة في السنة الأولى ونصف منحة في السنة الثانية)، وبعدها التسجيل في إحدى شعب التكوين المهني بمقر الإقامة، ثم بعدها الالتحاق بعالم البطالة الفسيح، وتعزيز صفوف المعطلين.
وتجدر الإشارة، أن بعض الفاعلين قد أطلقوا مبادرات مختلفة تروم الترافع من أجل إحداث نواة جماعية بإقليم فجيج، وقد عرفت هذه المبادرات زخما كبيرا لمدة ثلاث سنوات تقريبا، بيد أنها خفتت في الآونة الأخيرة لعوامل عديدة ليس هنا مجال ذكرها، وقد نتطرق لها في مقال لاحق.
وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن مبادرتين خرجتا من رحم المجتمع المدني ببوعرفة وفجيج، وكل مبادرة تترافع بطرق خاصة، وتحاول استجماع الأدلة والحجج المقنعة للمسؤولين وصناع القرار. وتنويرا للراي العام نتطرق للمبادرتين معا أملا في إعادة فتح النقاش من جديد حول هذا المطلب الذي أصبح حاجة لا تقبل التأجيل.
أولا: لجنة تقديم عريضة المطالبة بإحداث النواة الجامعية ببوعرفة
تشكلت هذه اللجنة على إثر الاجتماع الذي انعقد يوم الأربعاء 5 غشت 2020 وأفرز لجنة تتكون من ثلاثة أعضاء، وهم وكيل وطني للائحة ونائبته ووكيل جهوي، وتمت هذه المبادرة بموجب اتفاقية الشراكة المبرمة بين كل من جامعة محمد الأول ومجلس جهة الشرق والمجلس الإقليمي لفجيج وجماعة بوعرفة.
وقد صاغت هذه اللجنة عريضة شعبية من أجل التوقيع وجهت إلى رئيس الحكومة ووزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
وتتضمن العريضة بيان أسباب ضرورة إحداث نواة جامعية ببوعرفة، والتي تتمثل في بعد جامعة وجدة عن كل جماعات الإقليم، وضعف القدرة الشرائية لساكنة الإقليم الأفقر وطنيا، وللرغبة من تملك الكفاءات العلمية والمهنية والمعرفية لولوج سوق الشغل، وتثمين مؤهلات الإقليم عن طريق توجيه البحث العلمي ليستجيب لحاجيات الإقليم وتقوية القطاعات الأساسية. ومن أجل الإقناع بمشروعية إحداث النواة الجامعية ببوعرفة، استند أصحاب المبادرة على بعض المصوغات الواقعية، والتي تتمثل في كون مدينة بوعرفة هي عاصمة الإقليم وقلبها النابض، وهي تتوسط كل جماعات الإقليم والتي عددها 13، كما أن بوعرفة هي الأكثر من ناحية الكثافة السكانية، إذ يفوق تعداد سكانها 34000 نسمة، كما تتوفر على كل شروط ومقومات احتضان النواة الجامعية، فالعقار متوفر، كما توجد بها كل المرافق الضرورية بالنسبة للطلبة من فنادق ومطاعم ودور للكراء ومكتبات ووسائل المواصلات…
وتجدر الإشارة، إلى أن هذه المبادرة رغم النوايا الحسنة لأصحابها والتي لا يمكن التشكيك فيها مطلقا، فإنها لقيت معارضة من طرف البعض الذين رأوا فيها مبادرة مسيسة تتوخى الاستقطاب وحشد الكتلة الناخبة، لتزامن توقيع العريضة مع الفترة الانتخابية، ناهيك على أن المتحمسين لها حتى الرمق الأخير ينتمون لأحزاب سياسية معينة، في ظل عدم انخراط بعض المكونات السياسية الأخرى.
ثانيا: مبادرة المجتمع المدني بفجيج
بالنسبة للمجتمع المدني بمدينة فجيج، فإن مطلبه يتمثل في إخراج (معهد العلوم القانونية والشرعية) لحيز الوجود، واعتبر أن هذا المطلب يستجيب لضرورات موضوعية، فمسلك العلوم القانونية والشرعية يتلاءم مع الخصوصية التاريخية لمدينة فجيج التي صمدت لردح من الزمن كحاضرة للمجال التراثي بإقليم فجيج، وفضاء علميا استقطب طلبة العلم من داخل وخارج المغرب.
ويعتبر المتحمسون لإنشاء معهد للعلوم القانونية والشرعية بفجيج تابع لجامعة محمد الأول بوجدة، أن المشروع يدخل في إطار الإنصاف وجبر الضرر الجماعي لفجيج التي عانت من التهميش لأسباب معروفة. فمدينة فجيج جديرة باحتضان هذا المعهد العالي الذي يدرس العلوم القانونية والشرعية للطلبة، فهي مدينة مصنفة من طرف اليونسكو كتراث عالمي إنساني. زيادة على ذلك فإن المجتمع المدني قد خطى خطوات متقدمة في اتجاه إخراج هذا المشروع إلى الفعل، حيث تم اقتناء 15 هكتارا لإقامة المعهد، كما تم جمع مبلغ محترم من مساهمين مختلفين، ناهيك عن المبالغ المرصودة من الجهات المسؤولة.
ولحد الآن، فإن هذا المشروع لم ير النور بعد، لأسباب يجهلها الرأي العام. ويحمل المجتمع المدني بفجيج المسؤولية في ذلك لعمالة الإقليم التي اتهمها بالتلكؤ والبيروقراطية وتعقيد المساطر الإدارية حسب بيان صادر عن بعض جمعيات المجتمع المدني اطلعنا عليه عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
حاصل القول، إن هناك حاجة لنواة جامعية بإقليم فجيج، كما أن الحاجة ماسة أيضا لعدة معاهد متخصصة لأسباب عديدة، وعلى كل أبناء وبنات الإقليم المخلصين تكثيف الجهود، والترافع من أجل تحقيق هذا المطالب، بعيدا عن الاعتبارات الضيقة سواء حزبوية أو قبلية أو غيرهما. خاصة ونحن نشاهد إحداث أنوية جامعية ومعاهد متخصصة في مدن أخرى جهويا ووطنيا.