عبد القادر كتــرة
من النوادر الطريفة والحكايات الغريبة التي دأب الأشق الجزائريون، بإيعاز من النظام العسكري الجزائري، تحريف التاريخ وتزويره وسرقة تاريخ المغرب وثقافته وتراثه، وتبنيها ضدا على التاريخ قبل ميلاد بلاد الجزائر التي أنشأتها فرنسا الاستعمارية وأطلقت عليها اسم “الجزائر” بعد احتلالها لأكثر من 130 سنة خلفا للإمبراطورية العثمانية التي كانت مجرد مدينة شاطئية “الجزائر العاصمة” قاعدة القراصنة وعاشت تحت سيطرتها لأكثر من أربعة قرون، قبل أن تبيعها لفرنسا التي توسعت بضمّها الأراضي الشاسعة المجاورة.
وعرفت الجزائر قديما العديد باسم “نوميديا” تحت حكم النوميديين والفينيقيين والبونيقيين والرومان فالوندال ثم البيزنطيين. وبعد الفتح الإسلامي شهدت البلاد سيطرة كل من الأمويين والعباسيين والأدارسة والأغالبة والرستميين، والفاطميين، والزيريين والحماديين، والمرابطين والموحدين والحفصيين فالعثمانيين.
ولم يعرف هذا البلد تاريخا خاصا به وهوية مميزة له اللهم هوية شعب الأمازيغ الذي يعمل النظام العسكري على محو هويته وطمسها، كما يذكر أن أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي هو أحمد بنبلة الوجدي المغربي الأصل ثم بوخروبة الملقب ب”هواري بومدين” ووزيره الوجدي الرئيس المخلوع الراحل “عبدالعزيز بوتفليقة” (ولم تجرؤ رئاسة الجزائر ذكر اسم مسقط رأسه مدينة “وجدة” المغربية) وتلاه من المسؤولين عدد كبير من أصل مغربي من بينهم جماعة وجدة التي كانت تأويها المدينة الألفية المكافحة والتي انطلقت منها ثورة التحرير الجزائرية من بينهم آلاف من الثوار المغاربة.
وزارة الثقافة الفنون للنظام العسكري الجزائري تواصل عمليات السطو على التراث والموروث الثقافي المغربي، كما سبق أن حاولت سرقة التاريخ ورجالاته والأطباق والألبسة والأزياء والموسيقى والأغاني…، ووافقت على “تمويل 18 عملية في مجال التراث المادي وغير المادي” بمبلغ إجمالي يفوق 900 مليون دينار جزائري.
وجاء في بلاغ للوزارة الثقافة العسكرية الجزائري : “وتبعا للطلبات المعبر عنها عبر منصة رقمية في بوابة الوزارة بغرض الحصول على تمويل المشاريع في مجالات التراث الثقافي المادي و غير المادي ، عكفت اللجنة المختصة المشكلة من خبراء في التراث الثقافي على دراسة مجمل الملفات الواردة والتي بلغ عددها 48 ملفا، ووافقت على تمويل 18 عملية بعد “تفعيل الصندوق الوطني للتراث الثقافي بعد سنوات من الركود”.
ومن بين “المشاريع” المراد تدعيمها، ذكر البلاغ ما سماه “المتحف الوطني العمومي للزخرفة والمنمنمات والخط العربي (عملية واحدة) والمتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية لقسنطينة (عملية واحدة)، مع دعم عدد من جمعيات المجتمع المدني الناشطة في المجال الثقافي والتراثي، وبدأت ترويجها في مختلف المعارض التي يتم تنظيمها في عدد من دول الخليج على أساس أن الزليج المغربي هو منتوج جزائري.
نية السرقة والسطو على الزليج المغربي بدأ بتحريف التعريف في “ويكيبيديا” (كما اعتادوا تشويه التعريفات وتزوير أصل التراث المغربي ولا زالوا يوميا يزورون ويحرفون وينسبونه في بادئ الأمر إلى المغرب العربي الكبير قبل تغييره بالجزائر) ب :”الزلَيج هو فن عريق من بلاط فسيفسائي من أشكال فخارية هندسية مدقوقة قطعة بقطعة مركّبة في لوحة من الجبس. هذا النوع من الفن الإسلامي تطور في المغرب الإسلامي، أي في الأندلس وبلاد المغرب الكبير، وهو من أهم خصائص المعمارية المغاربية. يتكون من فسيفساءات هندسية النمط، لتزيين الجدران والأسقف والنوافر والأرصفة وأحواض السباحة والموائد.”
وجاء في أحد مقالات جريدة الشروق الجزائرية المتخصصة في هذا النوع من العمليات، تحت عنوان “الزليج… إرث حضاري من جدران المحروسة” (سرقة اسم المحروسة من مصر حيث معرفة ب”مصر المحروسة” واستعمالها للجزائر): “يقال إن الزليج ظهر أول مرة في بجاية الحمادية. وكان قصر اللؤلؤة الشهير مزينا بهذه القطع الفريدة من نوعها ثم انتشر بعدها إلى بعض المدن القريبة، ومنها سافر إلى غرناطة، ثم عاد بعدها إلى الجزائر بعد سقوط الأندلس.
ما يبهرك في فن الزليج، هو تلك الدقة في تقطيع الأشكال الهندسية، بواسطة معول صغير حاد جدا. فكيف لطاهي الخزف أن يُبقي على الدرجة اللونية في كل مجموعة؟ كيف لحرفي أن يكرر مئات الآلاف من القطع ذات العنصر الواحد، بنفس القياسات؟ كيف للحرفي أن يرُصّ كل هذه القطع بفراغات متساوية، دون الإخلال بالجانب الجمالي والهندسي؟… إنها العبقرية الحرفية الجزائرية.
من أشهر المواقع التاريخية التي تزخر بالزليج، نجد قصر الحمراء بالأندلس، قصر المشور بتلمسان، جامع القيروان بتونس، الجامع الكبير، الجامع الجديد، جامع السفير بالعاصمة.”
وكتب أحد المواقع الإلكترونية مقالا بعنوان “هل تعلم ان الزليج اختراع جزائر؟” :”وقد ظهر الزليج او ما يعرف بفن الزخرفة بالمربعات أو كما هو متداول في المجتمع الجزائري بFayence لأول مرة في بجاية الحمادية وكانت تزين به أسوار قصر اللؤلؤة الشهير بعاصمة الدولة الحمادية، ومن بجاية انتشر بمدن الجزائر القريبة مثل تنس وشرشال والمدية والجزائر العاصمة وتلمسان. ثم انتقل لاحقا إلى الأندلس وانتشر خاصة في مدينة غرناطة، التي تزينت أغلب مبانيها بالزليج الجزائري. وبعد حروب الاسترداد وسقوط الأندلس عادت هذه الحرفة وانتشرت في معظم الشمال الإفريقي واختصت به مدن معينة على غرار فاس وتلمسان والجزائر العاصمة كما اشتهرت بها أيضا دولة المغرب”.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو “كيف أن هذه الحرفة عادت بعد سقوط الأندلس إذا كان أصلها بجاية؟”، لكن الحقيقة والتعريف الصحيح هو : “الزليج المغربي، تحفة فنية خالدة، عرف منذ القدم بأصالته ودقة تصميمه، وهذا يُجسِّدُ جودة الصنعة والصانع التقليدي المغربي الذي أبدع منذ عقود في تجديد شكل الزواقة التقليدية وعصرنتها، وألوانها الأكثر من رائعة، إذ أصبح التوافد على فن الزليج الحر في العمارة والذي هو فنٌّ و إبداع لا ينضب معينه، ملحوظا في الآونة الأخيرة نظرا لحب كل ما هو تقليدي وجميل في الصناعة التقليدية المغربية.”
وصناعة الزليج حرفة مغربية تجمع بين التراث وجمالية المكان يمارسها آلاف الصناع المغاربة الذين توارثوها أبا عن جدّ منذ قرون، ويتفننون ويبدعون فيها ويتقنونها إتقان الفنان التشكيل وأكثر، يشتغلون في مئات الورشات ولا ينافسهم في ذلك أضخم وأعتى الشركات العالمية المسلحة بآخر صيحات التكنولوجيا.
وكلمة زَليج صفةٌ تدلّ على الثبوت من زلِجَ، أي هي مرتبطة بالزلق، وهذا إشارة إلى طابع الزليج المرصوف الصقيل، ومن كلمة زليج تشتق كلمة أزوليجو (azulejo) في اللغتين البرتغالية والإسبانية وهي تشير إلى فن فخاري كذلك ولكنه يختلف عن الزليج الإسلامي ولو اشتق منه.
والتاريخ العادل والذي له لسان لا يكذب يشهد : “بقايا زليج على جدار في مسجد بموقع شالة في الرباط بني إبان حكم أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني واكتمل 1284″، وجزء من الزليج من تلمسان التي كانت تحت حكم الإمبراطورية المغربية قبل ميلاد الجزائر ( بمرسوم الاستعمار الفرنسي) يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر متحف اللوفر.”
وتطور فن الزليج في بلاد المغرب والأندلس في العصور الوسطى وخصوصاً منذ القرن الحادي عشر، وازدهر خلال حكم بني نصر وبني مرين عندما مع إدراج الألوان الأزرق والأخضر والأصفر، أدرج اللون الأحمر في القرن السابع عشر.
وتعد، حسب تاريخ الصناعة من “ويكيبيديا”، صناعة الزليج من الأشكال الفنية الأكثر تعبيراً عن أصالة المعمار المغربي لكونه يعتمد على مواد أولية بسيطة وآليات بدائية وبالأساس مهارة وإبداع الصانع لتدخل في الهندسة المعمارية للقصور والمعالم التاريخية. فالزليج هو منتج ذو خصوصية يجمع بين مكوناته الأولية المتواضعة ومهارة الصانع المغربي الذي يحترف هذه المهنة. فالأمر يتعلق بمربعات من الطين المجفف بطول 10 x 10 cm طليت بطلاء لمّاع وقصّت ونحتت بلطف يدوياً بواسطة مطرقة حديدية مخصصة لهذا الغرض تسمى “المنقاش” لتجزأ هذه المربعات إلى قطع صغيرة تسمى “الفرم”.
“هذه الأخيرة تؤلف فيما بينها نسقاً يستجيب للقواعد لرسوم وخطاطات مطابقة للأصول وتحترم كل قواعد الهندسة للفن الإسلامي. إن هذه الأنساق ليست فسيفساء بل قطع موضوعة من الزليج جمعت فيما بينها بتنسيق لتمنح بتعدد ألوانها وأشكالها منظراً أخاذاً يسلب الألباب على الجدران التي تغطيها والأدراج التي تشكلها والبوابات التي تكسوها. وأرصفة وبلاطات المساجد والقصور والإقامات الفخمة.”
هذه الحرفة تنتقل من الأب إلى الابن، من المعلم إلى التلميذ داخل ورشات العمل العائلية حيث أن التعلم يبدأ من الصغر، فالمبتدئ يتدرج في تنفيذ المهام الأكثر سهولة وهو يتابع ويلاحظ ما يصنع حوله ثم ينتقل تدريجياً إلى كل مراحل الصناعة من الأقل أهمية إلى التي لها قيمة عالية قبل أن يصبح معلماً خبيراً بالصنعة ومرجعاً لها.