عبد العزيز داودي
بالرغم من سياسة الأيدي الممدودة التي سلكها المغرب في عدة مناسبات، معبرا عن حسن نواياه بخصوص طي الخلافات، والانكباب على ما هو أهم، وما يروم اندماج الشعوب المغاربية وانصهارها في بوتقة التنمية المستدامة، على غرار ما هو معمول به في العديد من التكتلات الإقليمية والقارية، انطلاقا من المشترك في الدين واللغة والعادات، حيث أكد المغرب، وكما في السابق، وقوفه اإلى جانب الأشقاء الجزائريين، وهكذا عرض مساعداته غير ما مرة للتخفيف من معاناة كوارث طبيعية، ولكن مع الأسف قوبلت سياسية الأيدي الممدودة بعجرفة عسكر الجزائر، وبتعنهم اللامنتهي، بل بتسخيرهم لوسائل إعلام محلية وظيفتها هي بث السموم، وترويج الأكاذيب عبر تحميل المغرب لمسؤولية كوارث طبيعية، رغم ما خلفه ذلك من موجة من السخرية لدى الرأي العام الجزائري الذي لم تعد تنطلي عليه أكاذيب كابرانات الجزائر، بل اكثر من ذلك عمد النظام الجزائري إلى قطع علاقاته الديبلوماسية مع المغرب بشكل أحادي، وفي خطوة اعتبرها المراقبون بمثابة تهريب مشاكل الجزائريين وقضاياهم اليومية إلى الخارج، وتحديدا المغرب الذي هو بمثابة الشماعة التي يعلق عليها العسكر فشلهم، وبعد ذلك أمرت الرئاسة الجزائرية شركة صونطراك بوقف ضخ الغاز إلى اوروبا والمتجه إليها بواسطة أنابيب وعبر التراب المغربي في خطوة كانت تعتقد الجزائر أنها ستضيق الخناق أكثر على المغرب، لكن العكس هو الذي حصل، حيث اعتبر العديد من النواب اليرلمانيين الأوروبيين ما أقدمت عليه الجزائر بمثابة ابتزاز غير مقبول.
وأمام الانتصارات المتتالية للديبلوماسية المغربية في ملف الصحراء المغربية، وبعد أن صوت مجلس الأمن على قرار أممي يمدد لبعثة المينورسو وبالإجماع، مع امتناع روسيا وتونس، وهو ما خلف خيبة أمل لدى ساكني قصر المرادية، الذين لم يجدوا من سبيل لافتعال نزاع وهمي هذه المرة غير تعرض مواطنين جزائريين لقصف جوي من طرف الجيش المغربي، وعلى الحدود الموريطانية الصحراوية، لخبر الذي كذبه في حينه الجيش الموريطاني، ونفى نفيا قاطعا أن تكون الطائرات المغربية قد قامت بقصف مواقع داخل التراب الموريطاني، كما ان الرد المغربي جاء مرنا للغاية، ولم ينجر وراء التهديدات، وعلى لسان الناطق الرسمي للحكومة الذي قال أن المغرب يتمسّك ويعتمد احتراماً دقيقا جداً لمبادئ حسن الجوار مع الجميع.
وطبعا لن يقف عسكر الجزائر عند هذا الحد، بل سيسعى إلى جر المنطقة لحرب غير محمودة العواقب، لأنه يرى في ذلك الملاذ الوحيد لبقائه، بعد أن تعالت الأصوات في الداخل والخارج لإزالته، وبعد أن أحرق أوراقه كاملة، وتورط قادته العسكريون في تهريب أموال الشعب، ونهب خيراته، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب الجزائري من ندرة حادة في المواد الأساسية كالدقيق والسكر والحليب، ويعاني كذلك من ضعف حملة التلقيح التي لم يستفد منه، وحسب الأرقام الرسمية، والتي هي بعيدة عن الحقيقة سوى 5 ملايين نسمة، من أصل أربعين مليون، وذلك بالرغم من الموارد المالية الضخمة الناجمة عن إيرادات النفط والغاز.
وأمام هذه التهديدات، يبقى المغرب مطالبا أكثر من أي وقت مضى بتمتين جبهته الداخلية عبر انفراج سياسي يكون مدخله الإفراج عن المعتقلين السياسيين والصحفيين، وعلى المضي بشكل أسرع في الانتقال الديمقراطي إلى أبعد مداه، درءا لكل الأخطار المحدقة بالوطن، ومن أجل أن يتحمل الكل مسؤوليته في حماية هذا الوطن.