بقلم: عبد المنعم سبعي
احتجب موقع الحدث الشرقي عن الظهور لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر وبالضبط منذ 10 مارس 2021، وسبب الغياب يرجع إلى الحريق الذي شب في مركز تجميع البيانات،”OVH data center” الكائن بستراسبورغ الفرنسية، توقف كان خارج الطوق والإرادة، لكنه ساعدنا على مراجعة حلة الموقع وجماليته حتى يظهر بهذا المنظر الذي نتمنى أن يروق القارئ الكريم ويقف على حاجياته الإخبارية والإعلامية بكثير من الدقة والاحترافية والمصداقية التي اكتسبناها في الحدث الشرقي طيلة اثنتين وعشرين سنة، تكوينا وممارسة وإيمانا بشرف المهنة واخلاقياتها.
متيقنون أن المشهد الإعلامي الرقمي يعد بكثير من التغيير و الإيجابية رغم ما يشوبه من نقائص منها ما هو مادي في ظل غياب استثمار حقيقي في هذا المجال، ومنها ما هو موضوعي وذلك بالنظر للمواضيع التي تتم مناقشتها و تسليط الضوء عليها و البروباكندا الإعلامية التي تأتي في كثير من الأحيان تابعة للمنابر الإعلامية الوطنية و العالمية في محاولة غير موفقة لتقليدها و استهداف فئة أقل إطلاعا ودراية بالعالم الافتراضي تبحث عن مواضيع الساعة من خلالها فما استجد في الحرب على غزة مثلا لن أبحث عنه في مجلات وجرائد إلكترونية محلية التي قد أكون أنا سابقا لها في تلقي الخبر من خلال الجرائد العالمية و المواقع الأكثر تخصصا في هذا المجال وبالتالي لا تمثل مثل هذه الأخبار سوى نمط من إعادة الإنتاج ليس إلا. إننا اليوم وأكثر من أي وقت مضي بحاجة إلى إعلام محلي وجهوي محترف يقوم بالأدوار المنوطة به ويخوض معارك التحدي بكل قوة وتنافسية إعلام يبرز الجهة وتنوع مواردها وينشر الوعي العميق بين مجتمع الجهة بعيدا عن الانحيازية الحزبية الضيقة أو القبلية الأقرب منها إلى الهمجية و التوحد و الاستفراد بالرأي بل يكون منفتحا على الجميع مع اختلاف وجهات نظر كل المتدخلين ويكون أكبر همه هو تقديم الحقيقة كما هي دونما الحاجة إلى تلميع أو تعتيم، فالإعلام الجهوي شريك تنموي حقيقي لا محيد عنه في أغلب ديمقراطيات العالم، وإن أي محاولة لتدجيله ستكون عواقبه وخيمة على المجتمع كله.
آن الأوان في وقت لم يعد المواطن البسيط يراهن على إرادة المسؤولين في الترافع على قضاياه أن يكون الإعلام سندا قويا للدفاع عن انشغالات و أولويات المجتمع المحلي حسب ما تقتضيه المرحلة، يكون محاميا يفضح استغلال السلط وتجبر المسؤولين ومؤسسات الدولة وتعنتها إن وجد، ويقف جنبا إلى جنب مع كل الحركات الاحتجاجية المحلية والجهوية ويعطيها التغطية اللازمة لتؤثر في المجتمع الوطني بل وتحدث رجة مؤثرة..
إن مواعيد المكاشفة وقول الحقيقة لحظات فارقة في تاريخ المجتمعات الديمقراطية ولا تحتمل أي أطروحات مضللة تحمل في طياتها كل معاني الخبث والخداع لأنها تسهم فى زيادة الشكوك وتناميها حول جدوى الإصرار على محاربة الفساد والتغني بزمن الشفافية والوضوح. إن الكلمة المدوية لا يكون لها الأثر الحقيقي إلا في ظل فرض النظام واحترام القانون، وإن احترام القانون هو العنوان الرئيسي لأي مجتمع متقدم، فليس هناك دولة بلغت درجة من التقدم والرقي بعيدا عن التطبيق الصارم لمبدأ احترام القانون، ولا يمكن الحديث عن هذا الاحترام إذا كانت إدارات الدولة لا تحترم كل حرف من حروف القوانين المعمول بها والمستمدة من روح الدستور وغاياته الكبرى.
والدولة في أعراف الشعوب المتقدمة لا تنحصر في الحكومة وحدها ولا في السلطة التشريعية والقضائية فقط، وإنما هي كل مؤسسات المجتمع سواء كانت حكومية أو غير حكومية، فهل ستنتصر هذه المبادئ على إخراس صوت تبخيس الاعلام المحلي والجهوي، وإذاك سنحس بأن الإصلاحات التي شهدتها بلدنا قد أتت أكلها، أم ستظل الكلمات تنسج بعيدا عن أي تغيير؟ وإذ ذاك سأسائل نفسي مرة أخرى ما مصير الصرخات الشاردة بين المواقع والصحف ؟ وبالرغم من كل هذه اللامبالاة المصاحبة لكل هذه الآهات ستظل المتابعات الصحفية والتغطيات الإعلامية عبارة عن كلمات حية لا تموت، والكلمة سر الله، وسره سبحانه وتعالى لا يباع ولا يشترى ولا يبخس.