عبد القادر كتــرة
يواجه اللاجئون والمهاجرون في الجزائر أوقاتا عصيبة وظروفا صعبة جدا بعد أن اختار النظام العسكري الجزائري المتوحش طرد العديد من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى، وترحيلهم إلى النيجر، قبل رميهم وسط الصحراء، رغم يقينه بموتهم جراء العطش والتيه والعواصف الرملية، دون شفقة ولا رحمة.
وحسب شهادات مؤثرة ومحزنة للناجين بأجوبة من موت محقق، يتم ترحيل أفراد وأسر ونساء وأطفال إلى الصحراء عبر المنطقة الحدودية بين الجزائر والنيجر، دون طعام أو ماء وسط الصحراء تواجه ظروفاً غاية في القسوة ودرجة حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية.
رحلت السلطات الجزائرية ، بالتنسيق مع القنصلية العامة النيجيرية في تمنراست، الاثنين 21 مارس الجاري، ما يقرب من 1000 مهاجر غير نظامية من دولة النيجير، إلى بلادهم، من نقطة عبور المهاجرين في مدينة تمنراست ، حيث رحلت الجزائر هؤلاء المهاجرين الذين تم توقيفهم وتجميعهم بطريقة غير انسانية في مدن مختلفة بشمال وجنوب الجزائر.
وجاء في مذكرة إعلامية أرسلتها القنصلية العامة لدولة النيجر، إلى وزارة الخارجية أن “الفريق الفني للقنصلية العامة جاهز لاستكمال إجراءات تحديد وتسليم الأطراف المعنية، وستغادر القافلة الرابعة عشرة تمنراست متوجهة إلى مدينة أغاديز يوم الاثنين الموافق 21 مارس الجاري”، كما جاء في المذكرة أنه ” سيتم الإعلان عن العدد الدقيق وقائمة الأشخاص المسجلين رسميًا على الموقع لاحقًا “.
وأعرب ممثل المنظمة الدولية للهجرة في نيامي عن أسفه لأن إعادة فتح هذه الحدود تسببت في « طرد أكثر من 1200 مهاجر من غرب إفريقيا”.
وسبق أن رحلت السلطات الجزائرية أكثر من 1200 مهاجرا قادمين من دول غرب إفريقيا إلى النيجر، وذلك منذ إعلان إعادة فتح الحدود البرية بين البلدين في 14 يوليوز 2021، وفق ما أعلنته المنظمة الدولية للهجرة.
وغرّد المبعوث الخاص لمفوضية اللاجئين “فينسنت كوشتيل”، على حسابه على تويتر قائلا “عملية طرد كبيرة أخرى نفذتها الجزائر لـ601 مهاجرا إلى النيجر، خلال مارس 2021 من بينهم ستة من النيجر والباقون يتوزعون على 16 دولة مختلفة”.
ووفقا ل”كوشتيل”، فإن الجزائر أرسلت أكثر من 600 مهاجر، من جنسيات مختلفة، إلى النيجر يوم الثلاثاء 23 مارس 2021، ستة منهم فقط من النيجر أما الباقون فيتوزعون على 16 جنسية أخرى، بعضها بحالة نزاع.
وأفاد أن هذا النهج مستمر منذ ثلاث سنوات، مشيرا إلى أن “الجزائريين واجهوا ضغوط هجرة قوية للغاية، ولكن لم يتم وضع نظام لتحديد من يحتاج للحماية الدولية، أو تفعيل عمليات العودة الطوعية” (أكثر إنسانية من عمليات الطرد في الصحراء).
ودعا “كوشتيل” السلطات الجزائرية لمراجعة النظام القائم حاليا، مشيرا إلى أن “الجزائر باتت مثل باقي بلدان شمال أفريقيا، دولا مقصدا للمواطنين الأفارقة… هناك أشخاص تم ترحيلهم إلى النيجر، في حين بقيت زوجاتهم وأطفالهم في الجزائر، بعض هؤلاء متواجد في الجزائر منذ نحو عشر سنوات”.
وأبدى المندوب الأممي قلقه من أن تثير عمليات الطرد هذه إشكالية كبيرة للنيجر التي تواجه مشاكل أمنية، فضلا عن افتقارها للوسائل المناسبة لإدارة عمليات الطرد هذه“.
وخلص إلى أنه “للمهاجرين أيضا حقوق، وبعضهم لديه حاجة للحصول على الحماية الدولية. نقوم بتشجيع السلطات على إنشاء نظام لإدارة حركات الهجرة يكون أكثر إنسانية وضمن إطار معياري“.
ترحيل أكثر من 20 ألفا خلال 2020.
من جهته، انتقد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق المهاجرين، فيليب “غونزاليس موراليس”، في بيان صحفي ممارسات الترحيل الجزائرية، قائلاً إن عمليات “الطرد الجماعي للمهاجرين من الجزائر إلى النيجر تشكل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي، بما في ذلك المبدأ الأساسي لعدم الإعادة القسرية في ظل غياب ضمانات اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وهذا ما يجب أن يتوقف على الفور“.
وعندما تبنت الجزائر سياسة ترحيل المهاجرين، قال وزير الخارجية الجزائري السابق عبد القادر مساهل إن المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في بلده يمثلون “تهديداً للأمن الداخلي” ووصفهم بــ”الطاعون”. وبرر الوزير سياسة بلاده بالقول إن ترحيل المهاجرين يتم في العديد من البلدان الأخرى “بما في ذلك الدول الأوروبية“.
منذ أن بدأت الجزائر عام 2017 في انتهاج هذه السياسة مع المهاجرين، تم ترحيل 25 ألف شخص إلى النيجر عام 2018 فقط – بمن فيهم العمال الأفارقة المهاجرين الذين يحملون تأشيرات عمل صالحة وحتى اللاجئين الذين مُنحوا الحماية من قبل السلطات الجزائرية. واليوم لكثير من هؤلاء عالقون في النيجر يعتمدون بشكل كامل على مساعدة المنظمة الدولية للهجرة للعودة إلى بلدانهم الأصلية.
تقول المنظمة الدولية للهجرة إنه في عام 2018 وحده، كان هناك 15 ألف ممن تم ترحيلهم بحاجة إلى مساعدة المنظمة للعودة إلى بلدانهم الأصلية. وفي عام 2015، كان هذا العدد أصغر بعشر مرات. ووفقا لوكالة “أسوشيتد برس”، فإن غالبية المهاجرين الذين تم ترحيلهم إلى النيجر جاؤوا من مالي وغامبيا وغينيا وساحل العاج.
وحسب مفوضية اللاجئين في النيجر، فقد تم ترحيل أكثر من 25 ألف مهاجر من الجزائر إلى النيجر خلال 2021، كما احتجزت السلطات الجزائرية 312 لاجئا وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية في الجزائر، في حين تم طرد 164 لاجئا وطالب لجوء أو إبعادهم إلى مناطق حدودية.
ولم يقتصر إبعاد المهاجرين من الجزائر إلى النيجر فقط، فقد قامت السلطات بإبعاد 281 مهاجرا إلى مالي خلال 2020 أيضا.
منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية كانت قد أصدرت تقريرا في شتنبر 2020، تحدثت فيه عن عمليات طرد منهجية وتعسفية بحق المهاجرين، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، باتجاه النيجر، وذكرت أن “الآلاف تم الزج بهم في حافلات نقلتهم إلى الحدود مع النيجر، حيث تمكن معظمهم من الدخول إلى ذلك البلد، في حين ترك آخرون في الصحراء يواجهون مصيرهم”.
من جهة ثانية، طالب المدير التنفيذي للفرع المحلي لمنظمة العفو الدولية سلوم تراوري “بفتح تحقيق فوري في حالات الوفاة وسوء المعاملة الجسدية التي تحدث عنها الماليون العائدون من الجزائر، فيما ذكر شهود عيان تعرضهم للضرب والإهانة.
وذكر عدد من الماليين الذين طردوا من الجزائر خلال عملية واسعة ضد مهاجرين أفارقة للوكالة الفرنسية للأنباء أن قوات الأمن الجزائرية قامت باستخدام العنف خلال عملية إبعادهم، وتحدثوا عن سقوط وجرحى وقتلى. ومن بين هؤلاء أكثر من 260 ماليا طردوا في إطار هذه العملية، ووصلوا ليل الأحد الاثنين إلى باماكو.
وقال المندوب العام للماليين في الخارج عيسى “نطلب تحقيقا بشأن حالات الوفاة التي أعلن عنها لتأكيدها أو نفيها”. وأضاف “ندين في الواقع المعاملة التي لقيها مواطنونا“.
وطالب المدير التنفيذي للفرع المحلي لمنظمة العفو الدولية سلوم تراوري “بفتح تحقيق فورا في حالات الوفاة وسوء المعاملة الجسدية التي تحدث عنها الماليون العائدون”. وأضاف أن المنظمة تدين كل عمليات طرد المواطنين الأفارقة من الجزائر. كما دانت المنظمة المالية لحقوق الإنسان “عمليات الإبعاد هذه التي تجري في ظروف تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان“.