عبد العزيز داودي
مع اقتراب موعد إجراء انتخابات مناديب العمال وأعضاء اللجان الثنائية، تزداد حمى الدعاية، وبكاقة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لحث الناخبين على انتخاب اعضاء لائحة دون غيرها. وإذا كان مناديب العمال وعدد أعضاء اللجان الثنائية هم من يحددون النقابات الأكثر تمثيلا قطاعيا ومركزيا، إلا أن العديد من الأسئلة وجب طرحها، وتتعلق أساسا بالتوظيف السياسي للعمل النقابي، والذي يسيء إليه طبعا، أي إنه يستخدم الطبقة العاملة بدل خدمتها.
وهكذا نزلت الأحزاب السياسية عبر أذرعها النقابية بكل ثقلها لنيل حصتها من كعكعة المناديب، وبالتالي تعزيز الموقف التفاوضي أثناء الوجود في المعارضة أو داخل الحكومة، ثم كسب مقاعد داخل الغرفة الثانية، على اعتبار أن الأجراء لهم من يمثلهم داخل مجلس المستشارين .
ولكون أنه يستحيل على حزب مشارك في الحكومة أن تتبنى نقابته موقفا غير الموقف الرسمي للحزب، خصوصا في القضايا الاستراتيجية كإصلاح صندوق التقاعد ونظام المعاشات، والتكريس لنظام العمل بالعقدة، وإحداث الوكالات للتمهيد لخوصصة ما تبقى من المرافق العمومية، فإنه يبقى لزاما رد الاعتبار للعمل النقابي الأصيل، والذي تحدد أهدافه منظمة العمل الدولية التي تقر بوجوب استقلالية المنظمات النقابية على الأحزاب السياسية، لأنه اذا كانت التعددية مرغوبة، بل شرط أساسي لديمقراطية الدولة، لأن الأحزاب السياسية باعتبارها تنتمي إلى مشارب إيديولوجية مختلفة وإلى برامج اقتصادية واجتماعية وثقافية تختلف باختلاف التموقع، إلا أن النقابة، عكس ذلك، لا تدافع إلا عن مصالح الطبقة العاملة، والتي هي غير قابلة للتجزيء، وتحتاج إلى صوت واحد يشترط فيه أن يكون مستقلا، ففي أعتى الدول الديمقراطية لا توجد إلا نقابة أو نقابتان على أبعد تقدير (فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، الولايات المتحدة الامريكية، بريطانيا…).
وينضاف مشكل بلقنة وتشتيت المشهد النقابي بالمغرب مشكل آخر، يتجسد في تدخل الباطرونا السافر في اختيار المناديب إذا كانت تسري على المقاولات مقتضيات وبنود مدونة الشغل، وفي التضييق على هذه الانتخابات أو حتى منعها إذا كانت المقاولة لا تحترم تشريع الشغل جملة وتفصيلا. وهكذا تسعى الباطرونا جاهدة لأن يكون المناديب أداة طيعة في يدها تستعملها حين تجهز على حقوق العمال ومكتسباتهم، وبمبررات مختلفة تتعلق بالتوازن المالي للشركة أو المقاولة، وبضرورة إعادة الهيكلة، بمعنى أن مندوب الأجراء قد يتحول إلى ذلك السوط الذي يجلد العامل والمستخدم لينطبق على هذا الأخير قول الشاعر:
وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً … عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ