عبد القادر كتــرة
في سابقة خطيرة، سجّل التونسيون في الأسابيع الأخيرة، ازدياد تدفق عدد رؤوس الأبقار والأغنام التونسية المهربة إلى الجزائر، مستغلين في ذلك ارتفاع أسعار العلف وسعر الحليب غير المربح بشهادة الصحافة التونسية على مصادرة حيوانات مهربة قدمتها مصلحة الجمارك.
ويضاف إلى ذلك، ارتفاع أسعار السوق الجزائرية التي تتعرض فيها اللحوم الحمراء للضغط حاليا، الوضع الذي جعل المربين التونسيين يتأسفون على السماح بحرية عبور حيواناتهم للحدود التونسية الجزائرية.
التونسيون اعتبروا هذا الوضع مفارقة عجيبة والذي استمر لسنوات، لاحظوا فيه مغادرة مئات القطعان من الأبقار والأغنام بشكل غير قانوني الأراضي التونسية إلى البلدان المجاورة، مشيرين إلى أن الأجهزة الأمنية، حجزت في نهاية أكتوبر، بالقيروان، شاحنات لنقل الأبقار والعجول كانت متجهة إلى ولاية تبسة الجزائرية.
كما قامت شرطة الحدود التونسية خلال السنة الماضية باعتقالات عدد من المهربين، وحجز شاحنات بسيطة، كما هو الحال في “جندوبة” التونسية، حيث تم إيقاف مركبتين تقل كل منهما ثلاثة حيوانات أثناء توجهها نحو الحدود الجزائرية.
وبلغت قيمة الماشية الست أكثر من 11 ألف دينار تونسي، في الوقت الذي كان المهربون، في الجزائر، يأخذون 15 ضعفًا، أما في بعض الأحيان يتم استخدام شاحنات كاملة، إذ يستغل المهربون وجود عدة مئات من الكيلومترات حدودية غير محروسة، حيث يصعب السيطرة على الحدود ، ويعبر نحو 250 رأسًا من الماشية الحدود كل يوم.
ولا تخلو مختلف وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي من أخبار ومشاهد تهريب الأبقار من تونس إلى الجزائر، في ممارسة أثارت دهشة المتابعين في البلدين، وفي وقت اعتبرت أطراف في تونس أن الخسائر المالية الفادحة التي يواجهها الفلاح التونسي في ظل ارتفاع كلفة الإنتاج من بين أهم الأسباب التي فرضت هذا الواقع.
وتلتزم السلطات في الجزائر الصمت حيال الظاهرة، ولم ترد على التقارير القادمة من تونس مما يطرح استفهامات حول التجاهل الذي تمارسه “الشقيقة الكبرى”، غير أن دخول السياسيين على الخط من شأنه إثارة نقاشات في البلدين قد تنتقل إلى مستوى المسؤولين.
ويرتبط هذا النزيف بالأزمة الخطيرة التي تواجه قطاع صناعة الألبان التونسية الذي كان فعالاً، حيث بلغ الفائض من الحليب المنتج في تونس، في عام 2016، لدرجة أن وحدة تجفيف “المرناقية” دفعتها إلى تحويل 10 ملايين لتر من الحليب الطازج إلى مسحوق.
وطالب المربون التونسيون من السلطات التونسية أن تأخذ هذا القطاع في الاعتبار، مع ارتفاع أسعار الأعلاف المركزة المستوردة، والزيادة التي غذتها الحرب في أوكرانيا والتي أدت إلى زيادة بنسبة 56 ٪ في عنصر العلف للأبقار الحلوب.
ويفضل المربون التونسيون بيع جزء من مواشيهم للجزائر حيث الطلب على اللحوم الحمراء يتعرض حاليا لضغوط مع أسعار على الرفوف تبلغ 2000 دينار (14.5 أورو أو 150 درهم مغربي) للكيلو، مع العلم أن الجزائر تستورد من إسبانيا صغار العجول، ويتم وضعها أولاً في الحجر الصحي في الحضائر، ثم يتم تسمينها في مزارع متخصصة، أما بالنسبة لاستيراد صغار الثيران من ميناء سيت الفرنسي للذبح، فقد تميزت بحدث دراماتيكي.
في بداية شتنبر الماضي، ولأسباب صحية، علق أكثر من 780 ثورًا على متن سفينة قبالة ساحل الجزائر العاصمة، وعادت الحيوانات إلى فرنسا حيث تم إعدامها.
وكانت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية اليومية تحدثت عن “إساءة معاملة الحيوانات” ودعت منظمة Welfarm غير الحكومية إلى “إنهاء تصدير الحيوانات الحية“.
وشهدت أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعا قياسيا جديدا، حيث بلغ سعر لحم الغنم عتبة 1800 دينار جزائري (140 درهم مغربي) في أسواق الجملة و2000 دينار جزائري (150 درهم مغربي) في محلات التجزئة، وهو ما دفع اللجنة الوطنية للحوم الحمراء الجزائرية إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بفتح تحقيقات عاجلة حول أسباب الارتفاع غير المسبوق للحم الخروف، دون الحديث عن الحليب المفقود والذي يحتاج المواطن الجزائري لساعات من الوقوف في الطوابير الطويلة المنهكة للحصول على نصف لتر من الحليب المصنوع بمسحوق الحليب والماء.
رئيس اللجنة الوطنية للحوم الحمراء الجزائرية محمد طاهر رمرم في تصريح لوسائل الإعلام الجزائرية أن سعر “الغنمي” فاجأ التجار بانتقاله من 1300 دج إلى 1800 دج في أسواق الجملة ليصل للمواطنين بين 2000 و2200 دج في أسواق التجزئة وهي حسبه سابقة لم تشهدها الجزائر في تاريخها.
وطالب المتحدث بضرورة تقديم السلطات الوصية، على غرار وزارتي الفلاحة والتجارة، لأسباب ارتفاع الأسعار، متسائلا “هل يتعلق الأمر بنقص الإنتاج وتراجع رؤوس الماشية أم هو سوء استغلال هذه الثروة الحيوانية، مع تقديم الإحصائيات الجديدة، بعيدا عن الأرقام التقليدية التي تتحدث منذ 10 سنوات عن تواجد 20 مليون رأس غنم في الجزائر..”.
يضاف إلى ذلك، كما في تونس ، ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة والأعلاف المركزة، لا تكفي الزيادة المذهلة في علف الذرة من قطع الأراضي المروية بنظام الري المحوري في جنوب البلاد.
لتسمين عجل صغير من 320 كلغ إلى 720 كلغ ، يجب توفير ما يصل إلى 7 كلغ من الشعير يوميًا وأكثر من 1.5 كلغ من دقيق فول الصويا والكثير من القش حيث تصل تكلفة هذا النوع من الحصص الآن إلى ارتفاعات فلكية.
كما أن التأكيد على أن استهلاك اللحوم الحمراء 14.4 كلغ سنويا لكل ساكن في الجزائر يمثل “مستوى منخفضا نسبيا مقارنة بالدول الصناعية” يتطلب التشاور بين خبراء التغذية والقطاع الزراعي والسلطات العامة.