عبد الحفيظ حساني *
من المفارقات الغريبة، عندما يتعلق الأمر بحقوق موظفي الجماعات الترابية، يغيب المنطق، وتبدأ التأويلات، وتظهر حتى المعجزة… إنه الإعجاز الرقمي بكل تجلياته العلمية والفلسفية…
ففي نفس الجماعة الترابية، في نفس المؤسسة والإدارة تصدر وثيقتان متناقضتان في نفس اليوم والساعة. وثيقتان مختلفتان و متناقضتان تحددان وضعية نفس الموظف وتضعه في إطارين ودرجتين مختلفتين.
◾الوثيقة الأولى عبارة عن “شهادة العمل” تصنفك داخل إطارك الإداري الحقيقي كمتصرف مساعد ADMINISTRATEUR
ADJOINTE
◾والوثيقة الثانية عبارة عن “بيان الالتزام” يحدد إطارك الإداري كمساعد إداري ADJOINTE ADMINISTRATIF
◾◾دعونا نستعمل طريقة مستفزة وهزلية في شرح هذان الوضعين المتناقضين. وعوض أن نعتبره تشوها إداريا و عجزا تقنيا سنعتبره إعجازا رقميا:
أنظروا ( سبحان الله ) الى هذا “الاعجاز الرقمي ” في قراءة الوثيقتين معا باللغة الفرنسية، إداريا أنت ADMINISTRATEUR ADJOINTE وماليا أنت ADJOINTE ADMINISTRATIF
نفس التعبير في الجملتين يتكون من نفس المصطلحين ومن نفس الحروف (سبحان الله).
* لو بدأنا القراءة من اليسار إلى اليمين، يعطينا الوضعية الإدارية الحقيقية الجديدة الموازية للسلم العاشر (إنها الوضعية المسجلة في “شهادة العمل”).
* ولو بدأنا القراءة من اليمين إلى اليسار، نحصل على الوضعية الإدارية القديمة الموازية للسلم السادس (إنها الوضعية المسجلة في “بيان الالتزام”).
هذا هو “الإعجاز الرقمي”، موظف له وضعيتان مختلفتين في نفس اللحظة وفي نفس الجماعة (يا سبحان الله أنشرها لك عشرة حسنات).
◾تلكم هي الكارثة أن تكون موظفا مصنفا في إطار السلم العاشر منذ سنة 2011 وتتقاضى لحدود اللحظة راتب السلم السادس… وعندما تسائل الإدارة تجيبك بأن “السيستام انتاع الأجور هكذا يعمل ولا نستطيع التدخل لتحيين راتبك الشهري”.
◾ هذه هي الرقمنة التي تُنفق لأجلها ملايير الدراهم.
◾ إنها قمة المهزلة، التطبيل والبهرحة ومازلنا نجد مثل هاته الأخطاء القاتلة.
◾في زمن الرقمنة تصدر مصالح الإدارة وثيقتين لنفس الموظف تحددان وضعيته الإدارية وما ينتح عنها من التزامات ومسؤوليات إدارية ومدنية ومالية لفائدته واتجاه الأغيار بمعطيات متناقضة…
◾◾ المشكلة هي استمرار الإدارة رغم تنبيهها إلى خطورة الأمر في الدفاع الأعمى وتبرير الأخطاء بالمشاكل المالية والتقنية…
ذلك أن البرنامج الرقمي “المتطور إلكترونيا” لا يمكن الفصل فيه تقنيا بين الراتب الشهري ومختلف المستحقات المالية الناتجة عن تسوية وضعيتك الإدارية بأثر رجعي، ومن هذا الباب، يتعذر الإفراج عن راتبك الشهري في حالة تعذر الوفاء بالمستحقات المالية المتأخرة بسبب مشاكل الجماعة المالية، كضعف أو انعدام الاعتمادات أو غياب السيولة المالية…
◾◾الإدارة دائما تبرر تصرفاتها في مواجهة الموظف الطرف الضعيف في العلاق، وكأن تصرفاتها مقدسة لا تناقش، وأن أخطاءها التقنية التي تطال الموظف طبيعية كالمرض، ولا يمكن تصحيحها، فهي قدر من الله كالجذام والبرص…
◾◾ فعوض التفاعل الإيجابي لإيجاد الحل من أجل التسريع بتحيين الراتب الشهري وإنصاف الموظف، وتجنيب الإدارة مسؤولية التعويضات الناتجة عن التأخير، يتلقى الموظف في بعض الأحيان الجواب الكتابي ( الرقمي والخشبي في نفس الوقت) لتبرير الإشكال وليس لحله. وفي بعض الأحيان يتلقى الموظف جوابا شفهيا للمواساة ”احمد الله راك تتسنى ”… وكأن الأمر يتعلق بهبة أو امتياز وليس بحق يحميه القانون.
◾◾ للأسف إن الإدارة تدافع عن جميع الأخطاء القانونية والمادية وحتى التقنية مهما كانت خطورتها وانعكاساتها السلبية على حياة الموظف، وكأن الإدارة فوق القانون ولا يمكن محاسبتها، وتبقى معزولة عن القوانين الجاري بها العمل في ما يتعلق بوجوب الوفاء بالتزاماتها الإدارية والمالية طبقا لمقتضيات (ق. ل.ع ) قانون الالتزام والعقود وقانون المسطرة المدنية (ق.م.م.)…
◾◾◾ إن التناقض في إصدار الوثائق يعتبر فضيحة في زمن التباهي بالرقمنة، ويجعل الإدارة مسؤولة إداريا وماليا عن كافة التعويضات بسبب ضياع حقوق الموظف، ومسؤولة عن أي تأخيير في تسوية وضعيته الإدارية والمالية تحت طائلة الغرامات التهديدية…
يا للعجب.. أي مفارقة هذه!!! فهل يعقل أن يكون نفس الموظف متصرفا مساعدآٓ ومساعدآٓ إداريا في نفس الوقت؟
* عبد الحفيظ حساني: متصرف مساعد ومساعد إداري في نفس الوقت.