عبد العزيز داودي
أبانت جائحة كورونا التي أصابت العالم ومعها المغرب عن هشاشة المنظومة الصحية، وعن الخصاص الفظيع في الأطقم الطبية والتمريضية والإدارية لمواجهة تفشي الفيروسات والأمراض بشكل عام، مع العلم أن نساء ورجال الصحة عبر تمثيلياتهم النقابية دقوا ناقوس الخطر في أكثر من مناسبة، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي. وحتى تصنيف المغرب في المراتب الدنيا لمؤشرات التنمية من طرف الهيئات المختصة لمنظمة الأمم المتحدة، والتي تستند على واقع الخدمات الاجتماعية، وخاصة الصحية منها والتعليمية، لم يكن له تأثير على السياسات الحكومية المتعاقبة التي اختارت رهان الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، والانصياع لإملاءات صندوق النقد الدولي عبر تبضيع وتسليع الصحة والتعليم، لتكون النتائج كارثية ويسقط المغرب في أول امتحان. ولولا المبادرات الملكية المتمثلة في تجهيز المستشفيات والمستوصفات وبعض البنى التحتية، ناهيك عن توفير المستلزمات الطبية واللوجيستيك الضروري لمواجهة تفشي جائحة كورونا، لأصيب المغرب فعلا بالسكتة القلبية.
ما العمل إذن للخروج من هذا الوضع وللزيادة في ميزانية وزارة الصحة التي تبقى ضئيلة جدا مقارنة مع المعايير المعتمدة من طرف المنظمة العالمية للصحة؟ وبالنظر لضعف الموارد المالية للدولة التي تضررت بفعل الجائحة حيث أفلست العديد من القطاعات، ومنها القطاع السياحي الذي كان يدر على خزينة الدولة الملايير من العملة الصعبة، كما أن عائدات العمال المقيمين بالخارج انخفضت هي الأخرى إلى مستويات قياسية بفعل الإغلاق الكلي والجزئي، ليبقى الرهان كبيرا على ترشيد النفقات العمومية، حيث لا يعقل أن تخصص لأحزاب سياسية موارد مالية بالملايير من خزينة الدولة للقيام بحملات انتخابية لا ترقى إلى مستوى الطموحات، ويعزف عنها المواطنون والمواطنات بشكل كبير .مع العلم أن الوظيفة الدستورية للأحزاب السياسية هي تأطير المواطنين وتعبئتهم وتكريس قيم المواطنة لديهم بما يعنيه ذلك من سعي هذه الأحزاب نفسها إلى الحفاظ على المال العام، وتقديم التقارير المالية عن كل سنتيم يصرف.
إلا أن الملاحظ هو أن جل الأحزاب السياسية ترفض توصيات وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، وبالتالي ترفض رفضا مطلقا تقديم التقارير المالية لقضاة المجلس الأعلى للحسابات تحت مبررات واهية تتعلق بما يصطلح عليه بعدم التدخل في شؤون الأحزاب الداخلية.
ريع سياسي إذن يجب أن يوضع له حد، وبالتالي فالأحزاب السياسية يجب أن تعتمد على إمكاناتها الذاتية وعلى منخرطيها في تمويل حملاتها الانتخابية، وعلى قواعدها في الدعاية إن كانت لها قواعد بطبيعة الحال. فلا يعقل أن تشكل كل مناسبة انتخابية فرصة للانقضاض على أموال الشعب تحت ذريعة تمويل الحملات الانتخابية.
والأحزاب السياسية مطالبة بأداء وظائفها الدستورية بشكل ممنهج وليس بالمناسباتي، وعليه، فإن قارورة أوكسيجين قد تكون أفضل بكثير من لغو ولغط العديد من السياسيين الذين لا تهمهم مصلحة الوطن بقدر ما يهمهم ما سيراكمونه من ثروات في كل مناسبة انتخابية…