بقلم ميمون جلطي
عبد الغاني شاب في مقتبل العمر، فلاح بسيط يقطن بدوار الغمارة بأنكاد، متزوج وأب لطفلين لم يتجاوزا السنتين من عمرهما.
كان عبد الغاني يحلم دائما مثل أقرانه بحياة أفضل وبوضع مادي مريح… كان يفكر في السفر إلى ما وراء المتوسط ، لا لشيء سوى لتحسين وضعيته الاجتماعية، ثم الرجوع إلى أهله وإسعاد زوجته وأبنائه.
ولقلة الشغل والعمل وضيق العيش وفقدان الأمل، ومن أجل أن يرى عبد الغاني أبناءه يعيشون حياة كريمة، ركز على الفكرة وصمم على الهجرة، فباع أبقاره وكل ما كان وراءه وأمامه وجمع مبلغا ماليا قدر بستة ملايين سنتيم، وحينها ربط الاتصال ب “الحراكة”، وأبرم معهم الاتفاق قصد تهجيره، مقابل ما جمعه من مال.
وبعد خطة مدروسة، وتخطيه لحدود محروسة، هاجر عبد الغاني إلى إسبانيا منطلقا إليها من المياه الجزائرية بعدما دخل إلى هذه الأخيرة متسللا عبر الحدود الشرقية للمملكة، متحديا الجدار وسياج العار، ومغامرا بكل الأخطار.
وبعد إفلاته من كمائن البر، ونجاته من أهوال البحر، وصل عبد الغاني إلى إسبانيا تاركا زوجته الحامل وراءه تعيل ابنيه في انتظار إنجاب ثالثهما، آملا العودة إلى شريكة حياته في يوم ما، جالبا لها السعادة والمال وهو في أحسن حال.
لكن بعد أقل من ثلاثة أشهر من وصوله إلى إسبانيا، شاء القدر أن يقلب حياة عبد الغاني رأسا على عقب، فتبعثرت كل أوراقه، وتبخر حلمه، وانهار جسمه وهو يسمع خبر تيتم ابنيه، ومقتل زوجته التي تركها أمانة من ورائه. تموت بسكين غادر على يد شقيقه المختل يوسف، في ليلة سوداء، من جمعة 21 ماي 2021، بمقر سكناه بدوار الغمارة أنكاد الذي عاش يوما داميا وعرف حدثا مرعبا، ففارقت زوجته الحياة متأثرة بطعنات غائرة على مستوى الصدر، حاملة جنينا ببطنها لم يكتب له أن يرى النور في دنيا العداء وسفك الدماء.
ولم يرحم الجاني الذي يعاني من أعراض وأمراض نفسية حتى أمه التي حاولت التدخل لفض النزاع وتهدئة ابنها، فأصابها المسكينة بكسر في يدها النحيلة.
الجاني، وبعد فعل فعلته الشنيعة، عمد إلى ربط الاتصال بالدرك الملكي وإخبارهم بمكان وجوده للحضور وإلقاء القبض عليه، لكن كان يغير مكانه ليلا كلما أحس بحلولهم، وبعد طلوع شمس صباح اليوم الموالي، واكتشاف مكانه من طرف عناصر الدرك، دخل معهم في مواجهات عنيفة، حيث قاومهم بشراسة، وقام برشقهم بالحجارة، فأصاب دركيا بحجر كبير، حمل على إثرها إلى المستسفى لتلقي العلاج.
وبعد الكر والفر وفشل الدرك في القبض عليه، تم استدعاء قوة تدخل معززة بالكلاب المدربة، فتم القبض على الضنين واقتيد إلى مقر الدرك الملكي بأنكاد للتحقيق معه وتقديمه إلى العدالة.
فماذا يعمل وكيف سيتصرف عبد الغاني؟ ما بيده حيلة، فالعين بصيرة واليد قصيرة، وهو الآن يعيش مهاجرا بإسبانيا “حارك” بدون أوراق. فهل سيندم على اليوم الذي غادر فيه وطنه ظانا أنه لو بقي وسط أسرته الصغيرة لكان دفع عنهم البلاء، وجنبهم الكارثة والفاجعة؟ أم أنه يحمد الله الذي أبعده عن هذا اليوم المشؤوم في ساعته وتاريخه ربما حتى لا يكون سببا في حدوث جريمة ثانية؟ وهل سيقطع عبد الغاني مع ريحة الدوار ويسخط على البلاد ويحقد على من كان ”حيلة وسبب”؟
بقدرة قادر سيأتي ذلك اليوم، ويعود عبد الغاني إلى وطنه، وسيزور دواره ويصل بيته ورحمه وأهله، لكن لن يجد زوجته ولن يرى ابتسامتها، ولن يسمع صوتها، فهل سيكون عبد الغاني صبورا مع من أفجع كيانه، ويتم صبيانه، ونغص عليه حياته؟ وهل سيكون طيبا، غفورا، مع من ظلمه، متسامحا مع وطنه، وهو يردد بشفتين مبللتين بدموع حرقة وفراق:
بلادي وإن جارت علي عزيزة …. وأهلي وإن ضنوا علي كرام