بقلم: عبد المنعم سبعي
شكل حفل تنصيب مديرة أكاديمية جهة الشرق وحضور والي جهة الشرق إلى جانب وزير التربية الوطنية مناسبة للانصات للسيد الخطيب لهبيل الذي لم يسبق لي أن تتبعت أيا من لقاءاته حضوريا، وكانت هذه المناسبة فرصة سانحة للوقوف على بعض الانطباعات التي راكمتها من خلال تتبع كلمته الارتجالية أو رصد حركاته وتقاسيم المحيا التي يشتم منها رائحة الصدق وحب الجهة والدفاع عن مصالحها. بالفعل لم يكن خبر تعيين السيد الخطيب لهبيل في وقته ليمر دون أن يترك آثارا طيبة في نفوس أبناء الجهة ونشطائها السياسيين والفاعلين الاقتصاديين، لأنه تعيين فيه إشارات دالة على عودة الحياة إلى مفاصل هذه الجهة وخاصة عاصمتها مدينة وجدة، بعدما عاشت فترة تناهز الثماني سنوات كانت كلها عجافا أفرزت الفراغ وأدخلت المدينة الألفية غرفة العناية المركزة بعدما تم تشخيص حالتها بكونها دخلت مرحلة الموت الكلينيكي.
كبرت انتظارات الفاعلين مع تعيين هذا الوالي الجديد، ولنقل بالصدق المطلوب في مثل هذه الحالات كان الوجديون يهنئون بعضهم بعضا كما جرت عادتهم في الأعياد والمناسبات السارة، وسرور المناسبة يخلقه بالتأكيد الأمل في إعلان القطيعة مع الفراغ الحقيقي الذي عاشته مدينة وجدة مباشرة بعد تنقيل الوالي الكبير محمد امهيدية حيث تعطلت المشاريع الهامة التي تم إعطاء انطلاقاتها منذ سنوات، وفقدت مدينة زيري بن عطية نظامها ورونقها، وشحبت أشجارها واتسخت شوارعها وشاخت مدينة الألف سنة في نصف الطريق..
فحينما أسعفني الحظ نهاية هذا الأسبوع وتتبعت كلمته بأكاديمية جهة الشرق تلمست بكل البساطة الأفق التنموي الذي يمتح منه السيد الخطيب خارطة طريقه في تدبير جهة لقيت كل العطف والاهتمام من صاحب الجلالة، وعندما تتسرب الأنباء عن لقاءات واجتماعات مغلقة تدرك أنك بصدد رسم صورة مكبرة لشخص غيور على جهة هو بكل بساطة أحد أبنائها، ففي لحظة من انفلات سبحة فريق سندباد الشرق كما كان يحلو للبعض أن يسمي فريق المولودية الوجدية، تظهر وجاهة رأيه في إعادة الروح لهذا الفريق الذي كاد أن يندحر لولا اجتماعه مع فاعلين وتحديد خطة الإنقاذ حتى تم تجاوز هذه المحطة الحرجة بكل الذي شاع عن وقوفه على هذا الانجاز، ومع بروز بعض الإختلالات في المجال الحضري كان الرأي الصواب ممثلا في إعطاء التعليمات لتحرير الملك العمومي وتأهيل بعض الشوارع، رأيا اعتبره المتتبعون بمثابة الخطوة الأولى من مسافة الألف ميل في هذا المجال، ولا تزال تدخلاته واستراتيجية عمله تكبر بالوضوح اللازم وزن الرجل وصدقه،
من الخبرة والدقة عنده منازعة للتصور الأمثل، والتدبير الأمثل والتنفيذ الأمثل، تدبير يرى أن الجهة الشرقية غنية بمواردها فقيرة من جرأة المتناوبين على تسييرها، لهذا يبدو الخطيب أحيانا مثل “جيفاغو” في نقد المتكاسلين والمكرسين ذات الوضعية، ويبدو أحيانا أخرى “كأبي موسى الأشعري” لا يخلع صاحبه بالضرورة ولكنه يغادره، في التناحر الحزبي والتجاذب السياسي داخل الجهة يتضح هدوؤه الظاهر، ويستثمر ماضيه كمهندس خبر بالملفات العمرانية والمجالية في إعطاء دفعة قوية للتأهيل الحضاري بمدينة زيري بن عطية، هو ذا والي الجهة الشرقية سمته الدقة في التصور والسرعة في التنفيذ والبساطة في التواصل والحوار .
والذي يتابع لقاءات واجتماعات السيد الوالي لهبيل يخال أنه أمام محارب ضد موجبات التخلف والجمود والفقر الاجتماعي والمجالي، أو كأنه يتحدث عن مشاكل الجهة لرسام تاريخي ويتحدث عن مؤهلاتها التنموية لمحلل اقتصادي، يشيد المشاريع الكبرى ويسهر على تنفيذها بميزانيات مقبولة ومعقولة، لا تثار حول أرقامها الشبهات لأنه ببساطة لم تتفتح شهيته لجمع المال أو لاستفادات غير مشروعة، همه الوحيد هو الدفع بالعجلة الاقتصادية والتنموية للجهة، أو هذا ما راكمناه خلال تتبعنا لأنشطته الكثيرة.
فخلال لقاء يوم السبت الذي تحدث بإسهاب عن التشغيل وربطه بالتكوين كانت مداخلته مرافعة عالية بامتياز، وسياسية بامتياز ووطنية أكثر تشبه خميرة بشرية ضدا للقضاء على معاقل التأخر والتسيب والفوضى، وليس بهذا تقريض، فقد تكون الوطنية في الخطاب التنموي والاجتماعي، طينة الصدق التي تحمي من الانهيار السريع،
إن المتتبع لمسار والي الجهة الشرقية، لابد وأن يلاحظ اتساع الحضور الميداني على حساب التفلسف القانوني والسياسي، الذي يأكل حطب المسؤول عندما يسترخي في ظلال الكتب والمنشورات بحثا عن التناسق النظري لخطواته، لا يعني ذلك أن السيد الخطيب لهبيل يسوق بلا خارطة تنموية وسياسية، فهو شريك وجوه كثيرة من ذوي الكفاءات العالية في تعيينهم على رأس بعض الولايات، وهو ما يقيم الدليل على أن التعيينات الأخيرة كانت ذات مسحة خاصة تحكم فيها مؤشر المردودية في المناصب السالفة، والوضع الذي عاشته بعض الجهات من جمود خلال عهد الأسلاف.
