بقلم: عبد المنعم سبعي
عودنا النظام الجزائري المرتبط بحبل سري مع طغمة العسكر الحاكمة، أن يختار مناسبات بعينها لينفث سمومه وأكاذيبه المسعورة تجاه المغرب، وليس كذكرى المسيرة الخضراء مناسبة ليكشف النظام الجزائري ومعه ذبابه الالكتروني عن سوءاته وعوراته المكشوفة للعالم بخصوص الكراهية العمياء للمغرب والمغاربة ولكل ما له علاقة بالمغرب، إنها العقد المتراكمة عبر التاريخ بفضل التميز المغربي وأصالته، عقد تستمد موجباتها عبر قرون وذلك منذ العهد المرابطي عندما كانت بعض الربوع التي تسمى اليوم دولة الجزائر تدين بالولاء للأمراء المغاربة وتابعة للعاصمة مراكش، إلى عهد العلويين عندما كان قادة الجزائر يقبلون يد المغفور له محمد الخامس وينحنون انحناءة تعظيم للسلطان المغربي، ولولا الحسابات الاستعمارية لفرنسا، لكان العلم المغربي يرفرف على الكثير من تراب الجزائر الحالية. على أي فإن الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء لم تكن بردا وسلاما على حكام الجزائر وإعلامهم الذي لا يمكن أن يوصف إلا بالكذب، فقد حلت الذكرى في سياق دولي مهم، فهي تأتي بعد الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون للمغرب وما حمله خطابه بقبة البرلمان من اعتراف بمغربية الصحراء وسيادة المغرب على أراضيه، وتأتي أيضا متزامنة مع الإعلان عن دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية الذي على عهده تم الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوج يوم الأربعاء سادس نونبر الجاري بخطاب ملكي تاريخي بالمناسبة ذاتها أعطى لأعداء الوحدة الترابية حجمهم الحقيقي، لذلك يمكن اعتبار الذكرى التاسعة والأربعين محطة مفصلية في تاريخ صحرائنا المغربية، فضلا عن وعينا بحجم الضربة التي يتلقاها حكام الجزائر وإعلامهم ضربة تلو الأخرى.
حقيقة نحن في الجهة الشرقية لا نعطي للصحافة الجزائرية أهمية كبيرة، فقد ألفنا طرهاتهم وخزعبلاتهم منذ حوالي خمسة عقود عندما كان البث التلفزي بثا أرضيا، فلا قنوات فضائية ولا شبكة عنكيبوتية، وكانت قرى ومدن الجهة الشرقية لوحدها تكتوي بنار هذا الإعلام العسكري وما تبثه من سموم وكراهية لا يمكن أن توصف. كنا في هذه الجهة ندرك منذ ذلك الحين حجم كراهية القائمين على شؤون الجزائر للمغرب وثوابته، وكنا ندرك أيضا أن الكذب وتلفيق الإشاعات شعارهم وديدنهم من أجل تسويق صورة مشوهة عن المغرب لدى الرأي العام المحلي الجزائري، كما كنا نتابع حلقات مسلسل معاكسة المصالح المغربية الذي دام خمسين سنة دون ملل ولا كلل، لكن مع مرور الوقت بدأت المساحيق تتساقط من وجه الحكام الجزائريين فانفضحت اسطوانتهم وافتضح خبثهم وانكشفت نواياهم للعالم بأكمله، زاد من فضحها الخطاب الملكي بهذه المناسبة يوم الأربعاء الماضي، فبعد أن وقف الخطاب الملكي على عناصر القوة الثلاثة في ملف الصحراء وهي تشبث المغاربة بهذه الأقاليم بمغربيتهم وملكيتهم، والنهضة التنموية التي تعرفها هذه الأقاليم، ثم الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، بعد ذلك عرج جلالته على ما أسماه “عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن.. ” ووجه صاحب الجلالة انتقادات لهذه الجهات لعدم موافقتها على إحصاء المحتجزين بمخيمات تندوف، واستخدامها قضية الصحراء كورقة لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية. وطالب الخطاب هذه الأطراف بضرورة التكيف مع الحقائق الحالية والتحلي بمسؤولية أكبر تجاه الأزمة الإنسانية في المخيمات.
إن المتتبع لهذا المسار لا بد وأن يقف عند الجهود الديبلوماسية المغربية التي بذلها المغرب خلال العقدين الماضيين التي بفضلها وصل ملف الصحراء المغربية إلى مرحلة متقدمة، تجاوزت الترهات والأكاذيب التي كانت تروجها الأصوات الظلامية بالجزائر، فالمغرب اليوم أصبح يجني حصيلة ديبلوماسية متقدمة أطرتها الحنكة الملكية بأسلوب جديد عنوانه البارز احترام الشرعية الدولية والعمل الجاد ومواجهة الإشكالات التي كانت تروجها بعض الأصوات النشاز التي لم تكن لتستوعب هذا التقدم الدبلوماسي على المستوى القاري والدولي. هذه الحصيلة توزعت بين انتزاع مجموعة من الاعترافات الدولية وافتتاح قنصليات، وضم الأقاليم الجنوبية للخريطة التامة من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، ودول مجلس التعاون الخليجي ودول إفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.. وهذا ما دفع بأحد المحللين إلى اعتبار أن ملف الصحراء عرف مسيرتين، الأولى شعبية أبدعها المغفور له الحسن الثاني، والأخرى دبلوماسية أبدعها جلالة الملك محمد السادس، فهما مسيرتان متكاملتان تمتحان نجاحهما من عبقرية الملكين.
حال الجزائر اليوم يشبه إلى حد بعيد حال قبيلة بني نمير العربية، إذ تروي كتب الأدب العربي قصة هذه القبيلة التي كانت تفخر بأنسابها وتعتقد أن لها في الفضائل والمكرمات سجلا حافلا ما يجعلها دوما فوق كل القبائل العربية، لكن جريرا عندما أحس أن الشاعر الراعي النميري يريد أن يغلب الفرزدق عليه في مسيرتهما العدائية، هجا قبيلة بني نمير بقصيدة أطلق عليها الدامغة الفاضحة، ولعل البيت الذي قصم ظهر النميريين وجعلهم يتبرِؤون من نسبهم ويتنكرون لأسلافهم هو قول جرير: “فغض الطرف إنك من نمير، فلا كعبا بلغت ولا كلابا”
إن حال الدبلوماسية الجزائرية اليوم لا تختلف عن وضع قبيلة بني نمير، بعدما انكشفت عورة الجزائر في ملف الصحراء المغربية الذي يكشف بالملموس عن حقد وغيرة دفينتين من النمو الاقتصادي المغربي والتنمية الواضحة في العديد من المجالات والقطاعات، وخاصة التواجد المغربي القوي في إفريقيا، لذلك لا يسعنا نحن المغربة إلا أن نهمس في أذنهم قائلين: فغض الطرف إنك من الجزائر، ليس انتقاصا من شهامة شعب أبناء هذا البلد الشقيق، وإنما فقط لأن الجزائر، بالرغم من كونه بلدا غنيا بالموارد النفطية فإنه مصاب بقيادة مفلسة دفعت بالشعب إلى اليأس بعدما فقد كل الآمال في عيشة كريمة ونمو محسوس تعكس حجم عائدات الجزائر من الغاز الطبيعي، التي لم تفلح في وضع حد للارتفاع المتزايد للبطالة والفقر والأمية.. فالموارد المالية الكثيرة، لا توجه لخدمة التنمية وإنما يتم اقتسامها بين الجنرالات والمقربين من محيط الرئيس وما فضل عن ذلك يتم الاستعانة به لمعاكسة مصالح المغرب.
فهل اخطأ الجزائريون فهم معنى الجوار.. هل تجاوزوا في لغة الحقد كل الحدود.. هل هي العقد النفسية والكبت الذي تصوروا معه أن كل ما يشتم منه رائحة المغرب فهو العدو.. ماذا نسمي الذي حدث؟ أنسميه أمراضا أم هذيانا أم تقصيرا أم عدوانا، لنختر من الأجوبة ما شئنا فإننا أمام حالة مستعصية يصدق عليها قول الله تعالى: ” هم العدو فاحذرهم” صدق الله العظيم.