بقلم: الطيب الشكري.
في ظل هذا الواقع الذي تعرفه الحياة السياسية الوطنية لا يمكننا بأي حال من الأحوال الحديث عن دخول سياسي حقيقي بالمعنى المتعارف عليه، فبالرجوع إلى العديد من الوقائع واستحضار عدد من الملفات التي هزت الساحة السياسية المغربية، والتي كان من نتائجها إعتقال العديد من رؤساء المجالس المنتخبة محليا، إقليميا وجهوية وحتى برلمانيا والمنتمون لعدد من الأحزاب المسيرة للشأن العام الوطني أو في صفوف المعارضة، ومنهم قياديين بهذه الأحزاب، فيما لا تزال العديد من الملفات لحزبيين رائجة أمام المحاكم، دون إغفال أحكام العزل التي أصدرتها المحاكم الإدارية في حق عدد كبير من رؤساء الجماعات التراببة سابقين وحاليين ومستشارين، ليتضح أننا اليوم أمام محاكمة قانونية للفساد الذي جعلت منه هذه الأسماء المدانة في قضايا فساد، طريقا إلى الإغتناء غير مشروع ومراكمة الثروة واستباحت القانون لتعيث فسادا وتأتي على الأخضر واليابس دون خجل أو حياء، فأصبحنا أمام أحزاب تزكي المفسد على حساب المناضل وتحولت إلى دكاكين سياسية لمنح التزكيات لكل من هب ودب بحثا عن مقعد في مجلس ما ولا يهم لا تاريخ الشخص ولا حسن سيرته وسلوكه، فكان من نتائج هذا العبث السياسي عزوف غير مسبوق للانخراط في الأحزاب السياسية الوطنية ورفض لتزكية أصحاب الشكارة والذي أكدته نسبة المشاركة في الإنتخابات الجزئية الأخيرة التي لم تتجاوز في عمومها 6 بالمائة في دوائر كانت إلى وقت قريب تعرف نسب مشاركة كبيرة وهو ما يمكن إعتباره محاكمة شعبية للسياسات التفقيرية التي تنهجها الحكومة ورسالة واضحة إلى الأحزاب السياسية التي تخلت عن دورها الحقيقي في التأطير والتكوين وفي إنتاج نخب سياسية حقيقية ملتصقة بالجماهير الشعيبة التي تُرِكَت وحيدة في مواجهة غول الغلاء واتساع الهوة بين الأغنياء والطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تعيش وضعا إجتماعيا صعب للغاية في ظل قرارات مجحفة في حق المواطن.
لقد كشفت هذه المحاكمات على حجم الفساد الذي ينخر عدد من التنظيمات السياسية التي فضلت تزكية المفسدين الذين لا علاقة لهم لا بالسياسة ولا بالنضال ولا حتى بالحزب ضدا على مناضليها وضدا على قرارات قواعدها في المدن والجماعات، والنتيجة أمامنا لا ينكرها إلا جاهل أو غبي يريد استغباء المواطن الذي نفض يده عن شيء اسمه العمل السياسي على الأقل في ظل هذا الواقع الذي يعرفه المشهد السياسي الوطني مع أحزاب أصبحت صانعة لليأس والبأس السياسي، فوجد هذا المواطن نفسه في مواجهة مباشرة مع حكومة لا تحسن سوى ضرب قدرته الشرائية في ظل أزمة إجتماعية لم تتضرر منها الفئات الفقيرة فحسب بل كان من نتائجها السلبية أن طالت الأزمة الإجتماعية الفئات المتوسطة.
لقد كشفت هذه المحاكمات التي عرفها ويعرفها المشهد السياسي الوطني عن فشل سياسة استقطاب أصحاب الشكارة والمراهنة على المقعد الإنتخابي دون إعتبار لا للأخلاق على أن السياسة تمارس بأخلاق، ولا للمناضل الحزبي الذي وجد نفسه بعد سنوات من النضال خارج حسابات الحزب والنتيجة هي ما نعيشه اليوم من عزوف سياسي ملفت وجب التعامل معه بجدية بعيدا عن لغة الإقصاء التي أصبحت سائدة في الخطاب السياسي، وعلى الأحزاب المغربية أن تقوم اليوم بوقفة مع الذات الحزبية لإجراء نقذ ذاتي لمسارها الحالي ولتصحيح الاختلالات التي شابت ممارستها ضد مناضليها والرجوع إلى أحضان الجماهير الشعبية، فمن غير المنطقي أن يستمر هذا الوضع الذي تعيشه مختلف الأحزاب السياسية وفي ظل التحديات الكبرى التي تعرفها بلادنا، ناهيك عن التحديات الإقليمية والعالمية التي تستوجب تنظيمات حزبية قوية.