أحمد الرمضاني
لم يكن أكبر المتفائلين من مناصري المولودية الوجدية لكرة القدم، يتوقع أن يصمد فريقهم في وجه عدد من الإكراهات والصعوبات التي لم يسبق وأن شهد لها الفريق مثيلا، طيلة مساره المتمتد على ما يقارب ثمانية عقود، ويعبر بالتالي نصف طريق البطولة الاحترافية الأولى( انوي) للموسم الرياضي 2023/2024 بسلام، وهو واقف على الأقدام، برصيد 16 نقطة.
حصيلة جد معتبرة بالنظر إلى الظروف العامة التي مر بها الفريق، كادت أن تقسم ظهره، والبداية كانت باستقالة الرئيس محمد هوار، وفي غياب أي خلف أو بديل، خرجت من عنق الزحاجة إلى حيز الوجود لجنة مؤقتة، وجدت نفسها مجبرة على إنقاذ الفريق من سكتة قلبية، بامكانيات بشرية ومالية تحت ” الصفر”، ومع ذلك نجحت في خطوتها الأولى، وهي تسابق الزمن لتأهيل المولودية كي تنخرط في البطولة، وتنطلق سفينة المولودية تمخر عباب بحر الدوري الاحترافي الأول فاقدة البوصلة وبدون مجاديف، حيث لا انتدابات ولا تحضيرات، واقتصرت على ما هو متوفر من عتاد بشري، فئة منه غريبة عن أجواء قسم الكبار، وفئة أخرى تفتقد التنافسية… والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل زادت الديون المتراكمة على الفريق ( ما يناهز 10 ملايير سنتيم)، طين الوضعية بلة وتعقيدا، ما أدخل الفريق في دوامة لا نهاية لها، بفعل توالي شكايات اللاعبين والمدربين المرفوعة لدى الاتحاد الدولي للعبة والجامعة الملكية، وهو ما حال دون استقدام لاعبين جدد، يعززون التركيبة البشرية للفريق.
وأمام هذا الوضع الحرج، كان ولابد من لجنة الإنقاذ أن تدبر أمر النزاعات بنوع من الحكمة، بفض بعض النزاعات التي لا تحتمل التأجيل ولا التفاوض مع أصحابها، خصوصا تلك المعروضة على أنظار ال ” فيفا”….وبموازاة مع ذلك، رفع اللاعبون والطاقم التقني شعار التحدي، مسلحين بالإدارة والعزيمة ومتفهمين واقع الحال…
من حسنات الظروف الصعبة التي مر بها الفريق الوجدي، خلال مرحلة ذهاب بطولة الموسم الجاري، أن الفريق وجد نفسه مجبرا على الاعتماد على الموارد البشرية الذاتية، ( مجبر أخوك لا بطل)، بدون أي ضغوطات مادام كونهم – أي اللاعبون- ينطبق عليهم المثل القائل ” فوق طاقتك لا تلام”، وصنفت أعمارهم من بين الأصغر سنا بالدوري المغربي، فضلا عن إشراك الفريق لعدد من اللاعبين هم منتوج خالص للنادي، الشيء الذي افتقده الأخير في السنوات الماضية.
كل هذه المعاناة والمتاعب، لم تكن تخفى عن أحد، لكن ما يثير الاستغراب، أن نجد البعيد يلتمس الأعذار للفريق قبل القريب، الذي هو أعلم من غيره بظروف فريقه، حين تعالت أصوات بعض المحبين بالاحتجاج على اللاعبين، بل وكان قاسيا جدا في تقييم مردودهم وعمل مدرب الفريق، وكأن المولودية لازالت ترتدي ثوب السنين الأخيرة، حينما كانت تعج بالنجوم، جعلتها شبيهة ب “منتخب محلي” ، معززا بنجوم أفارقة، وتنعم باستقرار إداري وسخاء على مستوى المنح والتنقلات والإقامة… ومع ذلك لم تحصد في ظل تلك الوضعية المريحة، وقتها، نفس رصيد من النقط الذي ظفر به فريق اليوم …!!!
عموما… نجحت لجنة تصريف الأعمال الجارية لفريق المولودية الوجدية لكرة القدم، برئاسة احميدة زريوح، في مهمتها، التي كانت تنحصر أساسا في وضع سكة الفريق على الطريق، تحسبا لأية احتمالات قد تكون غير مأمونة العواقب، ثم تسليم المشعل لربان جديد ينهي فترة التدبير المؤقت….
وعلى المستوى التقني، لم تكن الانطلاقة موفقة، وهو أمر مقبول في ظل ما ذكرناه سلفا من عوائق وإكراهات… إذ في الوقت الذي كانت الأندية تخوض مباريات رسمية في الدورات الأولى من البطولة، كانت نزالات المولودية بمثابة لقاءات ودية للاعبين والطاقم التقني على حد سواء، عن طريقها بدأت الصورة تتشكل تدريجيا، عند المسؤول الأول عن الإدارة التقنية للفريق فوزي جمال، للوقوف على مؤهلات وإمكانيات لاعبيه، الذين كانوا في حاجة إلى نوع من الانسجام والاحتكاك والتنافسية … وبعد مد وجزر، وعقب مرور الثلث الأول من البطولة، بدأ الفريق ينضج على جميع المستويات، وبات يفرض شخصيته داخل وخارج الميدان، بعث خلالها إشارات الاطمئنان للأنصار والمحبين، الذين استعادوا ثقتهم في فريقهم المحبوب، لينهي الأخير مرحلة الذهاب برصيد أقل ما يوصف به أنه يمنح الفريق كل الحظوظ والآمال للنجاة من مخالب القسم الوطني الثاني.
هذا، وينتظر الفريق إيابا صعبا، حيث تدخل البطولة عدها العكسي، والخطأ فيها مكلف، وسيوضع معها المكتب الجديد الذي سيتولى رسميا تدبير شؤون الفريق، بقيادة نور الدين زندافو، أمام امتحان صعب، حيث سيكون ملزما ضمن أولى أولوياته، بالنظر في أمر منع الانتدابات، لتعزيز التركيبة الحالية بعناصر جديدة، يحددها مدرب الفريق لسد الثغرات، وتقديم قيمة مضافة للمجموعة الحالية، ثم النظر في أمر اللاعبين الذين تنتهي عقودهم ويرغبون في الرحيل، ثم تحفيز اللاعبين على مواصلة المشوار بتلك الروح الجماعية والتضحية والتفاني التي أبانوا عنها في مرحلة الذهاب/ العذاب.
وأخيرا يبقى دور الجمهور مهما جدا في شحذ همم اللاعبين طيلة هذا الشطر الأخير، وخصوصا وقت الشدة وفترة الفراغ ، لأن الأمل في حفاظ الفريق على مكانته الطبيعية ضمن أندية الكبار، يبقى قائما جدا إلى غاية نقطة الختام.