ذ: منير الحردول
في سياسة استشرافية تنم عن وعي عميق بمتطلبات العصر في ارتباطاته المقرونة ببروز قضايا دينية واجتماعية معاصرة، وفي ظل واقع عالمي شديد التعقيد، فكريا وأديولوجيا وغير ذلك كثير، أظهرت السياسية الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في تأطير للحقل الديني، القائم على الوسطية والاعتدال، ونهج مبدأ قويم أساسه التمسك بالتراث المتنوع، مع الدفاع عن ديمومة المذهب المالكي، والفكر الأشعري، بما يحفظ وحدة الأمة المغربية روحيا وعلائقيا بل ومجتمعيا كذلك.
ولعل إحداث المجلس العلمي الأعلى، والمجالس الجهوية والمحلية، لخير دليل على أن تنظيم الحقل الديني فيه نفع متعدد بأبعاد متعددة للجميع وبدون استثناء، بما في ذلك ضمان الاستقرار الروحي والعقدي للمغاربة.
فالعولمة، وبروز تيارات متطرفة، وظهور انحرافات جارفة، مع بزوغ فجر مخالف للطبيعة الفطرية للبشرية، وتمرد بعض العقليات المادية على كل ماله صلة بالدين، ومحاولة ترسيخ الانفصام بيم الأفراد والجماعات، بل وفي الذات النفسية العقلية كذلك، كل هذا على ما يبدو أظهر نوعا من الاستباقية في مجابهة الخطر المحيط بعقيدة المغاربة، وتحصينا من أخطار خارجية كثيرة، تأبى ان تترك المغابة على تاريخهم الشامخ الذي لا زال يزعج ويخيف الكثير الكثير.
وما محاولات البعض اللعب على وتر الحقوق، والمطالبات المتكررة بفتح المجال لبعض التيارات المذهبية الخارجة عن المألوف، والحاملة لأحقاد تاريخية أكثر منها عقدية، وذلك بغية زرع الشك والتشكك في النفوس، ومحالة الزج بالبلاد في الانقسامات والاصطفافات الإقليمية والمذهبية، إلا دليل على الأهمية الاستراتيجية للمجالس العلمية الجهوية والمحلية، إذ يتوخى منها تحصين الفئات السكانية عقديا ودينيا وتربويا، محليا وجهويا ووطنيا من كل المحاولات الرامية إلى زعزعة عقيدة المغاربة، القائمة على التسامح والوسطية والتعايش مع جل الثقافات والحضارات، فتقريب الأفكار والحقائق والمشورة، وتقديم الأجوبة الشرعية، وفق ضوابط تراعي التسلسل التشريعي المتعارف عليه عند أهل الفقه والعلم، أجوبة لكل القضايات المتعلق بالمجال الديني للمغاربة، من خلال مجالس علمية تجمع خيرة الفقهاء وعلماء الدين، هو بطبيعة الحال والأحول، نصر لسياسة دينية حكيمة، سياسة سيستمر في تحصين المغاربة من كل الأخطار الداخلية والخارجية وغيرها كثير.