بقلم: منير الدايري
في طريقي من العمل، بعد نهاية ساعات العمل الممتدة من السابعة صباحا إلى وقت الثالثة بعد الزوال، أعرج كعادتي على مقهى لأخذ فنجان قهوتي المعتاد، الجو هاديء جدا، وشمسه الساطعة توحي بفصل ربيع لم يحن بعد، على متن الحافلة، كان تركيزي منصبا فقط على وجهتي التي لايخطؤها ميلي التلقائي لها ، خصوصا لما يكون هذا الميل تحركه رغبة كبيرة في قراءة مقالات، ذات مشارب فكرية ومعرفية متعددة…
وأقصد ركنا غير مثير للانتباه، في المقهى المعتادة، في زاوية تكفل لي الهدوء، والسكينة، بعيدا عن ضوضاء الزبناء، أو صوت التلفاز..
يستقبلني النادل، الذي ربما يعرفني ويعرف طبعي، وطلبي، بتحية مختصرة تؤثثها ابتسامة عريضة…آخذ مكاني إلى طاولتي المعتادة التي كانت حينها شاغرة، ثم أجلس أضع متعلقاتي على طاولة بادر بمسحها النادل قبل مده بقهوتي المخففة بالحليب بقطعة سكر ونصف، قنينة ماء، سائلا إياه عن احواله بكلمات مختصرة…فهو يعرف أن زبونه الثلاثيني، قليل الملام كثير الصمت، يجيد التركيز في الأشياء التي تتعلق بمجاله الخاص، دون اكتراث لما يجري حوله، إلا إذاكان الأمر مثيرا للإزعاج أو مؤشرا على عدم توفير حد ادنى من الهدوء..حيث عادة ما أنصرف دون ان اكمل قهوتي، ربما بحثا عن هدوئي المنشود في مكان آخر…
من بعيد، قد أبدو لك شابا في مقتبل العمر، هيئتي وأسلوبي
لباسي يعطي فكرة على اني متحرر من قيود السن التي تفرض سلطتها على المرء بارغامه على أسلوب حياة معين ، فقط لأن الآخرين يفعلون ذلك، لمجرد اعتقاد سائد، مسيًج لدائرة الفعل منمًط للأسلوب والسلوك والقيم ..
ما إن أرتب متعلقاتي على الطاولة، واضعا كل قطعة في مكان يضمن لي حركة ايدي منسجمة مع مايتطلبه تركيزي في ماقرأ، وماأشرب، دون ان يكون ذلك مصدر تشتيت للتركيز او مربكا لنظافة الطاولة.
أبدأ في تصفح الاخبار على هاتفي النقال كالعادة، اقوم بتحري سريع عن الرسائل والواردة على تطبيق واتساب التي يرسلها لي خالي العزيز ربما لم تسمع، أو التي لم أنتبه لها، أتصفح، أيضا، بريدي الإلكتروني، وبعد ذلك أبحث عن موضوعا من موضوعات اهتماماتي التي سبق أن احتفظ بها للقراءة لاحقا…
أبدأ رحلة القراءة، أنغمس بتركيز عميق، وتلقائية محكمة، دونما اعاقة لحركات يدي وانتظامها مع المكان والاشياء المحيطة بي.