عبد القادر كتــرة
كلّ مناسبة نجد أنفسنا مضطرين للإثارة مجموعة من الوقائع والحوادث التي تعرِّض حياة المواطنين بطرقات وشوارع مدينة وجدة للخطر قد يكون في بعض الأحيان مميتا، أو على الأقل مسببا لعاهة من العاهات، في غياب المسؤولين.
ونسوق اليوم مشهدا من المشاهد المؤلمة التي تشوِّه صورة المدينة الألفية عاصمة زيري بن عطية المغراوي، قلعة النضال، ومدرسة المقاومة على مرّ السنين، والتي أصابها اليوم الإهمال والنسيان والتجاهل، نسوق صورة خندق لا يعلم أحد ما فيه، اللهم فوهته التي تخفي مفاجآت أليمة، إذ يطهر من المعاينة الأولى أنه غير مكشوف للعيان وعميق وشاسع الأطراف، ومغطى بقشرة إسفلت قد تنهار وتبتلع سيء الحظ، خاصة وأن موقعه جاء وسط الطريق عند منفذ خروج السيارات من محطة الوقود بملتقى الطرق بشارع الأمير مولاي الحسن على بعد أمتار من ساحة زيري ورواق الفنون، في اتجاه مدينة السعيدية.
من جهة أخرى، لا يمكن لرواد الطرقات من ساكنة مدينة وجدة إلا ترديد الحوقلة والتأسف والتأوه لما آلت إليه الأوضاع، إذ أصبحت الحفر والخنادق والتشققات تؤثث مسالكها وطرقاتها وشوارعها وأزقاتها التي تآكل سطحها وجنباتها، في غياب الصيانة، وتفاجئ السائقين، وتتسبب في اهتزازات للسيارات والدراجات النارية، بل تتسبب في بعض الأحيان في حوادث، كلّما حاول أحدهم تجنب المارة والراجلين العابرين، دون الحديث عن البرك المائية التي تغطي الحفر، وتمنح “دوشات” مجانية لأصحاب سوء الحظ المتواجدين بقربها.
وسبق أن تطرقنا لواقعة اختفاء أغطية بالوعات الواد الحار تخلق حفرا خطيرة وسط الطريق تسبب إحداها في حادثة مرور خطيرة، كما وقع لإحدى الضحايا، سيدة من الجالية المغربية بديار المهجر، إذ مرّت بسيارتها على فوهة بالوعة بدون غطاء بإحدى الطرقات بحي الفتح بلازاري بمدينة وحدة، فتوقفت سياراتها بسبب سقوط إحدى عجلتها في البالوعة، وبمجرد نزول السيدة المهاجرة السائقة الضحية من سيارتها لمعرفة السبب، وقعت في حفرة البالوعة بقوة ولم تمّ انتشالها إلا بصعوبة، قبل أن تنقلها سيارة إسعاف إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الضرورية، بعد أن أصيبت بجروح ورضوض، حسب شهود عيان حضورا الحادثة.
سرقة أغطية بالوعات الود الحار ليست بالعملية الجديدة، بل اختص مجموعة من الجانحين في هذه الجريمة بمختلف المدن المغربية، حيث يترصدون المواقع نهارا، وينتظرون الليل بعد أن تنام المدن، وتخلو الطرقات والأزقة، لاقتراف أفعالهم الدنيئة، قبل تصريفها لأشخاص آخرين بأثمان بخسة، والذين يقومون بصهرها.
من جهة أخرى، غياب تعويض أغطية هذه البالوعات أو الصيانة الحقيقية وليس الترقيعية بمدينة وجدة، يضطر المواطنون إلى البحث عن حلول ترقيعية وسريعة لاتقاء خطر الوقوع في هذه الحفر الضخمة والخطيرة التي تحدث في الطرق والشوارع والأزقة، وذلك بوضع حواجز تحيط بها حتى تكون “الصدمة أخف ضررا من السقطة“.
البالوعات المسروقة أو المختفية أو المهترئة التي تكسرت بسبب ثقل المركبات من شاحنات وسيارات وهوندات ودراجات ثلاثية العجلات، وعربات مجرورة محملة، تخلف حفرا تشكل خطرا على المرتادين من مواطنين راجلين أو سائقين، أو عابرين وأطفال صغار.
عدد من سائقي السيارات الغافلين، ممن لم ينتبهوا في بداية الأمر إلى الحفر، تُربكهم وتُرعبهم الهزات نتيجة وقوع العجلات في الحفرة، ويصبون جام غضبهم على المسؤولين المنتخبين بمجلس الجماعة الذين يقضون أوقاتهم في جلسات من النقاشات العقيمة والصراعات الحزبية، دون أن ينجحوا في التوافق على مصالح المدينة وسكانها.
من واجب مصالح الجماعة الحضرية لمدينة وجدة، المسؤولة عن أمن المواطنين برمجة خرجات للمراقبة، وتنبيه الشركة أو الوكالة المسؤولة إلى ضرورة إصلاح ما تهدم وتهاوى أو كان آيلا للسقوط، والإسراع بترميمه وإصلاحه أو تجديده، أو على الأقل وضع إشارات وحواجز واقية مؤقتة، اتقاء لوقوع حوادث سير خطيرة قد تودي بحياة المواطنين الأبرياء في غفلة منهم (على سبيل المثال لا الحصر، طرق مهترئة بشارع حي موريتانيا، وطرق متآكلة وحفر بأزقة أحياء بالعونية، والأحياء المجاورة للمركز التجاري أسواق السلام، والطرقات المتفرعة عن شارع علال الفاسي…).
رواد الطريق استغربوا تخلي المصالح الجماعية عن واجبها، وترك المواطنين المجاورين لهذه الحفر مبادرة إيجاد الحلول غالبا ما تتمثل في وضع حواجز من البراميل، أو صخور أو عجلات أو غرس أعمدة خشبية أو حديدية قد لا تثير الانتباه، بقدر ما قد تتسبب في حوادث أخرى، وبدل السقوط في الحفرة، قد يكون البديل صدمة موجعة للمواطن، ومدمرة لسيارته أو دراجته.
ويتساءل المرء عن المسؤول عن هذه الحوادث، ومن يتحمل تبعاتها إن هي وقعت للمواطن، لا شكّ أن من يتحمل مسؤوليتها بشكل مباشر المجالس البلدية، أو الجماعات الحضرية، أو الوكالات الموكولة لها المسؤولية، إذ ينص القانوني بشكل صريح على أن الجهة المكلفة بصيانة تلك الطريق مسؤولة نسبيا عن الأضرار الناجمة عن الحادث، كما أن المسؤولية هنا تقوم في جميع الحالات التي يكون فيها الشخص ملزم بتعويض الضرر الذي أصاب شخصا آخر، وحينما يمكن أن يكون الأول هو المتسبب في هذا الضرر، سواء كان شخصا ذاتيا أو شخصا معنويا.
نختم هذا المقال بمدخل لبحث مطول ومفصل قام به الأستاذ الباحث عبد الله الإدريسي عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السابق بجامعة محمد الأول بوجدة وسبق نشره، تحت عنوان: “المسؤولية الإدارية للجماعات الترابية ” جاء فيه :“تعتبر نظرية المسؤولية الإدارية من النظريات التي ابتدعها الاجتهاد القضائي حديثا والتي جاءت نتيجة حتمية ازدياد تدخل الدولة وتوسع أنشطتها التي غالبا ما تؤدي إلى حدوث أخطاء تسفر عن إصابة الأشخاص من جراء هذه الأنشطة، وقد شكل حكم الصادر عن محكمة التنازع بفرنسا سنة 1873 الشرارة الحقيقية لإبراز الخطوط العريضة للمسؤولية الإدارية لقد أكد الحكم بأن المسؤولية الإدارية لا يمكن أن تسودها قواعد القانون المدني إذ تحرر القاضي بالتالي من قواعد القانون المدني وأخذ يستنبط مبادئ وقواعد المسؤولية الإدارية بالنظر إلى تطور الأوضاع الإدارية .
والمسؤولية الإدارية هي أداة تقنية تلزم الأشخاص العموميون تحمل مسؤولية أعمالهم وتصرفاتهم التي تتولد عنها أضرار ينبغي تعويضها وفق لقواعد قانونية متميزة عن تلك المطبقة في نظام المسؤولية المدنية، وإن كان القضاء يسترشد في بعض الحالات في قضايا المسؤولية الإدارية في القواعد المسلم بها في القانون الخاص .
وتعتبر الجماعات الترابية شخصا من أشخاص القانون العام تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري مما يجعلها تتحمل مسؤوليتها تجاه جميع تصرفاتها القانونية والمادية. وإذا كانت المسؤولية المدنية تقوم أساسا على الخطأ، فإن الاجتهاد القضائي أدخل نظرية المسؤولية بدون خطأ كاستجابة حتمية لتوسع أنشطة الإدارة وتعقدها .
وتقوم أنشطة المسؤولية الإدارية بصفة عامة على أساس الخطأ الذي ينبني على مبدأ التعويض إلا أنه هناك الحالات التي يتعرض فيها الأفراد لمخاطر بسبب النشاط الإداري، وتحمل الإدارة مسؤوليتها اتجاه القرار المشروع الغير موجب لضرر، فيقرر القضاء المسؤولية الإدارة في مثل هذه الحالات، وهذا ما يعرف بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ.
وهذا ما يفهم من مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي أشار في مضمونه عن مسؤولية الجماعات الترابية عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وهو نفس المبدأ الذي صار عليه الفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية، وبالتالي فضمان الجماعات الترابية للضرر واجب بمجرد أن يكون ناشئا بصفة مباشرة عن العمل الذي تقوم به أو عن عدم قيامها بالعمل المنوط بها أو البطء في أداء الخدمة وهذا ما يعطي للمتضرر الحق في مطالبتها بالتعويض في ضوء المسؤولية الإدارية بدون خطأ، وتقوم هذه الأخيرة على ركنيين: حصول الضرر وقيام علاقة سببية بين الضرر الحاصل والنشاط الإداري.
وإذا كانت المسؤولية الخطَئِية تقوم على مبدأ مؤداه أن من أحدث ضررا للغير بخطئه يتحمل مسؤولية هذا الخطأ فإن المسؤولية الادارية بدون خطأ تجدها أساسها انطلاقا من اعتبارات العدالة والمساواة التي تقتضي أن يؤخذ بعين الاعتبار الثقل الذي وقع على عاتق الفرد والذي تسببت فيه السلطة الإدارية في سبيل تحقيق الصالح العام.
وتتجلى أهمية إقرار المسؤولية الإدارية في تمكين الأفراد من المطالبة بحق التعويض، كلما تعرضوا لأضرار تسببت فيها الجماعات الترابية….”.