في واحدة من الفضائح التي تهزّ أركان المؤسسات التونسية، كشف تقرير أحد المراصد الرقابية عن تزوير شهادة مهندس، وقائمة بـ200 شخص دخلوا إحدى المؤسسات العمومية بشهادات مزورة، بعد المشاركة في مناظرات وطنية.
ووصف بوزيد اللافي، مدير مشاريع ومكلف بالملفات في إحدى المنظمات الرقابية، حسب موقع “اندبندنت عربية”، ملف الشهادات المزورة بـ”الظاهرة الخطيرة، لأنه يشمل آلاف الحالات ويشكل تهديداً للدولة”، مؤكداً العمل على عديد الملفات منها عشرات الحالات في مؤسسات عمومية، (الخطوط التونسية والشركة التونسية للسكك الحديدية)، وأحيلت الملفات إلى القضاء.
ويعود ملف الشهادات العلمية المزورة بتونس، إلى ما بعد 2011، مع تنامى المطلبية الاجتماعية والتجاء الدولة إلى التشغيل في الوظيفة العمومية، لامتصاص غضب العاطلين من العمل المحتجين في الشارع، حيث يتزامن الجدل حول تزوير الشهادات العلمية والانتدابيات المشبوهة في عدد من القطاعات، مع وضع اقتصادي واجتماعي متدهور، وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، بينما.
وقررت الدولة إيقاف الانتدابيات في القطاع العام منذ سنوات، والشروع في التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية.
ويتعرض المبلغون عن الفساد في بعض المؤسسات إلى التنكيل، وأحياناً الطرد من وظائفهم”، بحسب بوزيد اللافي، مدير مشاريع ومكلف بالملفات في إحدى المنظمات الرقابية ، داعياً القضاء إلى “التسريع في حسم عدد من القضايا لأن العشرات ممن قاموا بالتزوير يمارسون عملهم بشكل طبيعي“.
ويرى، حسب نفس المصدر الإعلامي، أن “المجتمع المدني وحده لا يقدر على مواجهة هذه المعضلة”، داعياً “الجهات الرسمية إلى التحرك من أجل فضح هذه الممارسات”. وشدد على “أهمية الإرادة السياسية لوضع حد لهذه الظاهرة”، معتبراً أنها “شبكات منظمة لها ارتباطات خارج حدود الوطن، ومتواطئة في توفير عقود الشغل بشهادات مزورة”.
ويعتبر عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية والحوكمة، في حكومة يوسف الشاهد (2016- 2017)، استنادا إلى نفس المصدر، أن “الانتدابيات العشوائية شجعت على تزوير الشهادات العلمية من أجل التموقع في الوظيفة العمومية”، لافتاً إلى أن “حالة الانفلات التي شهدتها تونس بعد 2011، كانت من العوامل التي أسهمت في تفشي الظاهرة، وباتت مفتوحة على كل مظاهر الفساد“.
ويؤكد البريكي أن “عدد المنتدبين في الوظيفة العمومية تضاعف في تلك الفترة من 330 ألف موظف عام 2010 ليصبح أكثر من 630 ألف موظف، أي ما يعادل ما تم انتدابه في تونس من عام 1956 تاريخ الاستقلال إلى عام 2010، وهو ما أثقل كاهل الوظيفة العمومية“.
ويشير الوزير السابق، إلى أن “ميزانية الدولة لا يمكنها تحمل ذلك العدد من المُعينين الذي يتزامن مع تراجع النمو الاقتصادي”، معرباً عن أمله في ألا تكون “ظاهرة الشهادات المزورة قد شملت أسلاكاً حساسة كالأمن والتربية والتعليم العالي“.
ورحب البريكي بخطوة الحكومة في اتجاه التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات، مذكراً بأن “جريمة التزوير في القانون التونسي، تصل عقوبتها إلى خمس سنوات سجناً لكل متورط”.
وفي محافظة القصرين، كشف الناطق الرسمي للمحكمة الابتدائية، رياض النويوي، في وقت سابق، أنه “تمت إحالة 17 متهماً في قضية تزوير شهادات علمية لموظفين في بعض البلديات، وتم إصدار 10 بطاقات إيداع بالسجن في هذه القضية التي ما زالت مستمرة“.
وتولت دائرة المحاسبات القيام بمهمة رقابية خاصة بالانتدابيات الاستثنائية في وزارتي التربية والشباب والرياضة، غطت أساساً الفترة الممتدة بين عامي 2011 و2015.
ووفق تقريرها، حسب موقع “اندبندنت عربية”، فإن الأعمال الرقابية مكنت من الوقوف على “جملة من النقائص والإشكاليات القانونية بالنسبة إلى المنتفعين بالعفو التشريعي العام والأهلية القانونية للمنتدبين“.
وتنفي “حركة النهضة” أن تكون أغرقت الإدارة التونسية بالانتدابيات، معتبرة أن “الانتدابيات التي تمت مباشرة بعد 2011 في عهد حكومتي محمد الغنوشي، والراحل الباجي قائد السبسي، وقد تمت تحت ضغط الشارع“.
وأكد المكلف بالإعلام في الحركة، عبد الفتاح التاغوتي، في تصريح خاص، أن “العفو التشريعي العام لم يشمل أبناء حركة النهضة فحسب”، رافضاً الاتهامات الموجهة للحركة في إغراق الوظيفة العمومية بالانتدابيات العشوائية”، معتبراً أن “تونس مرت في تلك الفترة أي بعد 2011، بضغط اجتماعي كبير”، داعياً القضاء إلى محاسبة كل من تورط في تزوير الشهادات العلمية“.
وتواجه تونس اليوم محنة مزدوجة، بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتناهز نسبة البطالة 19 في المئة، بينما تتعالى الأصوات المطالبة بالتنمية وبالتشغيل، والداعية إلى محاسبة كل من تورط في التزوير واستولى على وظيفة من دون وجه حق.