عبد القادر كتــرة
على إيقاع تنديد دولي عارم، دخل عشرات معتقلي الرأي الجزائريين بسجن القليعة في إضراب عن الطعام، منذ أمس الثلاثاء 13 شتنبر 2022، حسب تصريح والدة المعتقل، الناشط طاهر عميشي التي زارته وأخبرها بذلك “كآخر حل لإسماع صوته في ظل في ظل تجاهل حقوقه من قبل السلطات” مع العلم أن الناشط المعتقل تمّ توقيفه يوم 14 شتنبر من العام الماضي، ومازال رهن الحبس الاحتياطي دون محاكمة.
وأكدت والدة المعتقل أن 25 معتقلا كلهم تضرروا نفسيا وإجتماعيا من وضعيتهم، دخلوا في إضراب مفتوح عن الطعام، وأن عائلات هؤلاء المعتقلين قلقة على أبنائها المعتقلين ظلما وعدوانا من طرف جنرالات النظام العسكري الجزائري وتخشى الحديث عن وضعيتهم، خوفا من اعتقالهم وإلحاقهم بهم.
وكشفت مصادر من هيئة الدفاع أن غرفة الاتهام أجلت في الفصل في ملف الناشطين المعتقلين حمود وحمو بومدين وبوعزيز آيت شبيب وبوسعد بيشا وبلعيد أعمر خوجة إلى الأحد 18 شتنبر الجاري، وحسان بوراس – المضرب عن الطعام حالياً احتجاجاً على حبسه احتياطياً منذ 12 شتنبر، وقدور شويشة نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فضلاً عن جميلة الوكيل وسعيد بودور – العضوين في الرابطة المذكورة في وهران – اللذين يُلاحقان قضائياً أيضاً بتهم تتعلق بالإرهاب منذ أفريل/نيسان 2021، لكنهما ليسا محتجزين
وكان النظام الجزائري قد اعتقل عشرات الناشطين الحقوقيين والصحفيين والمعارضين السياسيين والمحامين والقضاة في محاولة لسحق المعارضة وترهيب قادة الاحتجاجات، في ضرب صارخ للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان ما وضع الجزائر في خانة الدول القمعية.
من جهة أخرى، نددت ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس حقوق الإنسان بالانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطات الجزائرية لمصادرة حقوق الرأي والتعبير في حق الشعب الجزائري .
وانتقدت ذات المتحدثة في مداخلة لها بمقر مجلس حقوق الإنسان بجنيف، الممارسات الجائرة التي تقوم بها سلطات الجزائر لتخويف المعارضين وقادة الرأي وقمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ودعت ممثلة الولايات المتحدة، سلطات الجزائر إلى وقف فوري لكل انواع المحاكمات التعسفية، ومنع أساليب التخويف والقمع التي باتت تمارسها السلطات الأمنية بالجزائر على المتظاهرين والنشطاء والصحفيين.
في السياق ذاته، سبق وأن دعت العديد من المنظمات الدولية، السلطات الجزائرية بضرورة فتح عملية سياسية ديمقراطية و احترام حقوق الإنسان، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي القابعين في السجون الجزائرية دون وجه حق.
وسبق لمنظمة العفو الدولية اليوم أن صرحت بأن السلطات الجزائرية صعّدت هجومها على المجتمع المدني في الأسابيع الأخيرة مع إلقاء القبض على 27 مدافعاً عن حقوق الإنسان وناشطاً سلمياً في شهر فبراير وحده.
وحكمت محكمة في مدينة تلمسان الواقعة غرب البلاد على فالح حمودي – رئيس الفرع المحلي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان – بالسجن مدة ثلاث سنوات ودفع غرامة قدرها 100 ألف دينار (705 دولارات أمريكية). وبعد أيام أصدر أحد قضاة التحقيق في الجزائر العاصمة أمراً بالحبس الاحتياطي لزكي حنّاش – وهو ناشط معروف بعمله في رصد حملة القمع التي تشنها الحكومة ضد الحراك، وهي حركة احتجاج جماهيرية تدعو إلى التغيير السياسي في البلاد منذ عام 2019.
ومنذ عام 2021، ألقت القبض على المئات من النشطاء، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين وحبستهم احتياطياً أو أصدرت أحكاماً بحقهم استناداً إلى تهم غامضة الصياغة، ومن ضمنها الإرهاب. وهناك حالياً ما لا يقل عن 350 شخصاً قابعين في السجون الجزائرية وتؤكد مصادر حقوقية أن أكثر من 7000 معتقل سياسي وناشط حقوقي، لمجرد تعبيرهم السلمي عن آرائهم بحسب كل من اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين – وهي مجموعة رقابة وطنية – والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وأكدت منظمة العفو الدولية أنه بعد مضي ثلاث سنوات على بدء حركة الحراك الاحتجاجية، لا تلوح في الأفق نهاية للقمع المتصاعد من جانب السلطات الجزائرية، كما دعت إلى الإفراج عن جميع النشطاء السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر.
آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية
وتجري حالياً مقاضاة ثمانية أعضاء آخرين في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لمشاركتهم في الحراك، أو انتقادهم السلطات. ويواجه أربعة منهم على الأقل تهماً لها صلة بالإرهاب المُعرّف بطريقة غامضة جداً بموجب القانون الجزائري ليشمل “محاولة الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية”.
من جهة ثانية، رفضت السلطات الجزائرية استقبال المقرّر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية تكوين الجمعيات والتظاهر الذي كان سيقوم بزيارة خاصّة للجزائر في 12 شتنبر الجاري، من أجل البحث في انتهاكات حقوق الإنسان بمنطقة “القبائل”.
وحسب ما أفاد به نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، سعيد صالحي، استنادا إلى ما تداولته وسائل إعلام دولية، فإنه تم تأجيل الزيارة إلى عام 2023 ويعد الثاني عشر منذ عام 2011، مشيرا إلى أن “الحكومة لا تريد أن تفي بالتزاماتها تجاه آليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان، فهي تخشى من هذه الزيارة التي ستكشف حقيقة القمع الذي لا هوادة فيه”، لافتا إلى “انتهاكات وحظر متعدد للحريات من حيث المسيرات والتجمعات السلمية المحظورة منذ مارس 2021”.
ولفت سعيد صالحي إلى أن “منطقة القبائل تتطلع باستمرار إلى تحقيق الاستقلال عن المركز الجزائري؛ فلا الرقابة المفروضة على حركة ’الماك’ (حكومة المنفى بقيادة فرحات مهني)، المقيم أغلب أعضائها بالمنفى، ولا الجائحة، منعتا السكان من التعبير عن موقفهم بقوة”
ومنذ انطلاق العمل السياسي السلمي في منطقة القبائل، عمل السلطات الجزائرية على حل الجمعيات وإغلاق المكاتب، مثل RAJ وSDH وهران، وتجميد أنشطة أحزاب سياسية مثل PST، وإخضاع أخرى لإجراءات قانونية متعددة، مثل الحزب الشيوعي وMDS.
وتأسست الحركة السياسية من أجل استقلال منطقة القبائل من قبل الناشط فرحات مهني، بعد أحداث “الربيع الأسود” عام 2001، وهي حركة تضم عددا من القادة غالبيتهم يعيشون في فرنسا، وتتحدد أهدافها في المطالبة بالحكم الذاتي لمنطقة القبائل بالجزائر. وشكلت سنة 2010 تاريخا حاسما في مسار الحركة، إذ تزامنت مع إعلان تشكيل حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل يرأسها فرحات مهني، الذي يعتبر أن حركته هي الأولى من نوعها تجاه الدولة الجزائرية الاتحادية.
وأثار قرار الحكومة الجزائرية، “القدس العربي”، إرجاء زيارة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية تكوين الجمعيات والتجمع والتظاهر، ردودَ فعل في الأوساط السياسية والحقوقية، خاصة أن هذا التأجيل يتكرر للمرة الثامنة منذ سنة 2011.
بعد أن كان منتظرا أن يصل المقرر الخاص للأمم المتحدة، الإثنين 12 شتنبر الجاري، تأكد تأجيل الزيارة. وأوضح مصدر حقوقي جزائري تحدث لـ”القدس العربي”، أن جمعيات جزائرية معنية بالزيارة أُخطرت عبر رسالة من سكرتارية المقرر الخاص، يوم الأربعاء الماضي، تم فيها التأكيد على أن التأجيل تم بطلب من الحكومة الجزائرية، على أن يحدد موعد آخر سنة 2023.
وأضاف المصدر أن زيارة المقرر الأممي الخاص، كانت ستدوم 10 أيام، يتنقل فيها بين عدة ولايات إلى جانب العاصمة الجزائرية، ويلتقي بالسلطات الرسمية من رئاسة الجمهورية إلى الوزارة الأولى والوزارات المعنية بالملف مثل العدل الداخلية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي هو هيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، كما يلتقي فيها منظمات المجتمع المدني المستقل وأحزابا سياسية من الموالاة والمعارضة.
واعتبر معارضون في الجزائر، حسب نفس الجريدة، تأجيل الزيارة دليلا على رغبة السلطات تفادي ملاحظات مزعجة في الوقت الحالي. وقال عثمان معزوز، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في هذا الشأن، إن تأجيل زيارة مقرر الأمم المتحدة، يشير بوضوح حسبه إلى أن الحكومة تريد شراء صمت القوى العظمى بخصوص الواقع الحقوقي في الجزائر، على حد تعبيره.
وأضاف في نشاط لحزبه المعارض، أن هذا التأجيل يأتي في وقت يوجد أكثر من 300 من سجناء الرأي في السجن، بينما يخيّم “سيف داموقليس” على كل النشطاء السياسيين الذين يرفضون الاستسلام للانتهاكات اليومية لأبسط حقوق الإنسان.