عبدالقادر كتــرة
أخيرا، تبدّد غضب الرئيس الفرنسي ماكرون على النظام الجزائري، بجنرالات ثكنة بن عكنون ومسؤوليه الرئاسيين والحكوميين بقصر المرادية، وعبّر عن رضاه على الحاكمين بالجزائر وتجاوز تجاهله لهم، وقرر زيارة الجزائر المقاطعة السابقة للاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا والتي تمّ منحها تقرير المصير باستفتاء سنة 1962، نتج عته قرار الجنرال ديغول الرحيل والتخلي عن هذه المستعمرة التي أنشأها بمرسوم وأعطاها اسم الجزائر بعد أن أضاف إليها أجزاء من أراضي الدول المجاورة الحدودية، المغرب ومالي وتونس وليبيا وهذه الأخيرة كانت تخضع للاستعمار الإيطالي.
وكشفت مجلة “جون أفريك” أن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون سيقوم بزيارة رسمية الى الجزائر يوم 25 غشت الجاري على رأس وفد وزاري هام تتقدمهم كاترين كولون، وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية بالإضافة إلى مسؤولين اخرين في الحكومة.
وتكتسي زيارة ماكرون، حسب الإعلام الجزائري العسكري المنتشي حدّ الثمالة بهذه الزيارة “السعيدة والمباركة” (إن تمّت)، “أهمية بالغة نظرا للملفات الشائكة التي من المنتظر أن تطرح على طاولة النقاش بين البلدين من طبيعة العلاقات الثنائية الى العلاقات الاقتصادية والملفات الدولية بالإضافة إلى الذاكرة وملف تنقل الأشخاص”.
ونظرا للعلاقات المتوترة التي شهدها محور باريس-الجزائر، يأمل النظام العسكري الجزائري، أولا، رضا فرنسا بإعادة الدفء للعلاقات الثنائية، بعد فترة الجمود التي ميزتها بسبب تصريحات الرئيس ماكرون المسيئة لتاريخ الجزائر وتوطيد أو إعادة الثقة بين البلدين مع ضرورة الاحترام الكامل لسيادتيهما مع التعامل وفق مبدأ الندية.
ويتمنى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، (الذي قال عنه الرئيس الفرنسي ماكرون إنه رهينة النظام العسكري الجزائري وأن الجزائر لم تكن أمة)، رضا فرنسا بإيجاد حلول لمسألة التاشيرة علماً أن باريس قررت تقليص كوطة التأشيرات الممنوحة للجزائريين بحوالي 50 بالمائة، حيث تم رفض اكثر من 32 الف طلب تأشيرة سنة 2021 حسب موقع “شنغن فيزا انفو”، وطلب الاستثمارات الفرنسية في الجزائر والتعاون في مجال الطاقة، علما أن الاستثمارات الفرنسية تراجعت كثيرا في السنوات الاخيرة لصالح قوى اقتصادية أخرى على غرار الصين، تركيا وايطاليا …
تودد النظام الجزائري لفرنسا رغم إذلاله وإهانته له
مرّغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنوف النظام العسكري الجزائري وأزلامه في قصر المرادية في التراب ورضوا بذلك، وتعْمد المستعمر الفرنسي إلى إذلالهم وإهانتهم بمختلف الوسائل والطرق والتصريحات والتمليحات، رغم تودُّدِهم له وتوسلاتهم واستعطافهم وتقبيلهم لأعتابه طلبا في التفاتة واحدة بزيارة الرئيس الفرنس ماكرون للجزائر ولو لساعة واحدة.
وبمجرد ما أعلنت نتائج فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالولاية الثانية بفرنسا سارع رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون إلى تهنئته بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية، معربا عن أمله في أن تكون هذه العهدة “ثرية بالجهد المشترك في مسار العلاقات الثنائية للوصول بها إلى أفضل المستويات المأمولة“.
وانتظر الرئيس الجزائري جواب شكر على تهنئته لكن دون جدوى ولم يغضب من تجاهل الرئيس الفرنسي له، بل صَبر وأعاد الكَرَّة للمرة الثانية دون نتيجة، ولم يغضب، بعد أن استجدى زيارته ودعاه إلى فرنسا ولو مرورا وتوقفا.
وبعد أن أصابه الهلع وتملكه الخوف من استمرار تجاهل الرئيس الفرنسي للنظام الجزائري وعدم رضاه، سارع إلى مهاتفته، يوم السبت 18 يونيو 2022، حسب بيان للرئاسة الجزائرية الذي أشار على أن “المكالمة الهاتفية تطرقت إلى العلاقات الثنائية، وأن الجانبين أكدا عزمهما على تعميق هذه العلاقات، خاصة مع تقارب وجهتي نظر الرئيسين، وتوافقهما الكبير، على دفع هذه العلاقات إلى مستوى متميز، لا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس ماكرون، لعهدة جديدة.”
وحاول لمطان لعمامرة الحفاظ على شعرة معاوية مع فرنسا القوة المستعمرة السابقة للجزائر والتي صنعتها بمرسوم، بالاتصال هاتفيا وزيرة الخارجية الفرنسية، وتمّ نشر الخبر “أكد الطرفان نيّتهما مواصلة الديناميكية الإيجابية في العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر“.
وغرّد العمامرة على “تويتر” قائلاً: “تبادل مثمر مع زميلتي (كاثرين كولونا) حول آفاق شراكة متوازنة ومفيدة للطرفين وحوار معزّز لخدمة الاستقرار والازدهار على المستوى الإقليمي والدولي“.
لا جديد في الأفق القريب ولا البعيد، فبادر رئيس مجلس الأمة الجزائري، صالح قوجيل، الأحد 12 يونيو 2022، بدعوة بمقر المجلس، سفير الفرنسي بالجزائر، “فرنسوا غوييت”، “حيث استعرض الطرفان العديد من القضايا التاريخية والسياسية التي تهم البلدين، حسب بيان المجلس“.
وقال بيان أن اللقاء الذي جمع قوجيل بالسفير الفرنسي الذي أدى له “زيارة مجاملة”، “شكل سانحة لاستعراض العديد من القضايا التاريخية والسياسية التي تهم البلدين، وراهن العلاقات الثنائية بينهما لاسيما البرلمانية منها وسبل ترقيتها وفقا لما نص عليه بروتوكول التعاون البرلماني الذي تم التوقيع عليه بين مجلس الأمة ومجلس الشيوخ الفرنسي عام 2015 بالجزائر“.
وأكد قوجيل للسفير الفرنسي على “تعددية أبعاد العلاقات الجزائرية-الفرنسية (على المستويات الإنسانية والتجارية والاقتصادية)، وفاعليتها المنبثقة من بعدها المتوسطي” واستعرض أهمية ترقية التعاون حول آليات معالجة قضايا الذاكرة باعتبارها “عاملا مهما للنهوض بالعلاقات بين البلدين في إطار توازن المصالح“.
يأتي هذا بعد أن شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية قبل عام توترات إثر تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي هاجم خلالها “التاريخ الرسمي” الجزائري قائلاً إنه “أُعيدت كتابته بالكامل”، و”لا يقوم على الحقائق”، بل على خطاب “قائم على كراهية فرنسا” وأن “الجزائر” المدينة لم تكن دولة ولا أمة وكانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية قبل أن تشتريها فرنسا وتصنعها منها دولة بالتوسع على حساب البلدان الجارة التي كانت تحت نفس الاستعمار، المغرب وتونس وليبيا ومالي.
كما أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يوجد رهينة النظام العسكري الجزائري ولا حول له ولا قوة ولا أمر له ولا حكم.
واستدعت الجزائر على خلفية التصريحات سفيرها في باريس للتشاور، وأعربت عن رفضها القاطع للتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية والتي تتمثل في تصريحات الرئيس الفرنسي، ليستأنف السفير محمد عنتر داود، صاغرا ومذلولا، أداء مهامه في باريس بتاريخ 6 يناير 2022، بعد ثلاثة أشهر من الغياب، في تجاهل تام، دون أن تعير له السلطات الفرنسية أي اهتمام، إذ خرج من الباب وعاد من النافذة.
أكثر من التجاهل والإهانة، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصفح من الجزائريين الذين حاربوا إلى جانب فرنسا خلال حرب تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي عام 1962 ويعرفون باسم الحَرْكَى وعددهم يقارب من 200 ألف حركي .
ودعا إلى قصر الرئاسة الفرنسية – الإليزيه – الاثنين 20 شتنبر 2021، حوالي 300 حركي وأحفادهم، في ظل دعوات من المنظمات التي تمثلهم برفع قيمة التعويضات المرصودة لهم والتي تبلغ 40 مليون يورو.
كان ردّ السلطات الفرنسية على النظام العسكري الجزائري وتوسلاته واستعطافه أكثر إهانة ومذلة إذ رفضت منح التأشيرات لعشرات النواب في البرلمان الجزائري، بقرار سياسي كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أعلن عنه في بداية شهر أكتوبر الماضي، يقضي بإلغاء امتياز الحصول على التأشيرات للمسؤولين الجزائريين.
وأكد مصدر نيابي في البرلمان الجزائري أن إدارة البرلمان الجزائري عجزت منذ أشهر عن تحصيل تأشيرات لنواب البرلمان لدى القنصلية الفرنسية في الجزائر، بسبب مماطلة ورفض القنصلية منح تأشيرات شنغن لـ150 نائبا، وأفراد من عائلاتهم، كان المكتب المكلف بالتأشيرات والعلاقات العامة في البرلمان قد أودع جوازاتهم لدى القنصلية الفرنسية.
وأضاف أن جوازات النواب بقيت لدى القنصلية الفرنسية لفترة غير قصيرة (أربعة أشهر)، قبل أن تقرر إدارة البرلمان استرجاعها، وتحويل جزء منها إلى قنصليات أوروبية أخرى، بينها القنصلية الإيطالية.
من جهة ثانية رفضت فرنسا طلبات الحصول على تأشيرة شنغن، لما يقارب 32 ألف جزائريا، من قبل المصالح القنصلية الفرنسية، في العام 2021، ويمثّل هذا العدد ما نسبته 80 بالمئة من التأشيرات المرفوضة للرعايا الجزائريين، حسب ما ذكره المصدر ذاته.
ورفضت القنصلية الفرنسية تقديم توضيحات إلى البرلمان عن سبب رفض منح التأشيرات للنواب الجزائريين، حسب موقع “العربي الجديد”، كما لم ترد على مراسلة احتجاج كانت قد أرسلتها لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الجزائريين منذ شهر مارس الماضي إلى السفير الفرنسي في الجزائر “فرانسوا غويات”، حول رفض منح تأشيرات لعدد من النواب السابقين والمسؤولين الجزائريين في قطاعات حكومية.
وتؤكد هذه المعلومات أن باريس ما زالت تتمسك بتنفيذ التهديدات التي كان قد أعلنها الرئيس ماكرون في الثاني من أكتوبر الماضي خلال لقائه مجموع من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية والفرنسيين من أبناء “الأقدام السوداء” (المعمرين السابقين في الجزائر)، عندما أعلن أنه بصدد “إزعاج المجتمع الحاكم في الجزائر، عبر منع التأشيرات عن المسؤولين الجزائريين وأبنائهم وعدم تسهيل حياتهم (تنقلاتهم)”، وكذا تقليص حصة التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين بنسبة 50 بالمائة.
استفتاء تقرير مصير الجزائر و”اتفاقية إيفيان”
لا بدّ من التذكير بتاريخ “فاتح يوليوز 1962″ الذي أرخ لاستفتاء الجزائر لتقرير المصير وهو استفتاء على استقلال الجزائر عن فرنسا أو تمسكها بالتبعية لها، وفقًا ل”اتفاقية إيفيان” التي وضعت حداً للنزاع المسلح بين المتحاربين الرئيسيين في الحرب الجزائرية في 19 مارس 1962، مع الإشارة إلى أنه “استفتاء لتقرير المصير” وليس “منح استقلال لدولة” بحكم أن الجزائر لم تكن دولة ولا أمة وكانت مجرّد مقاطعة فرنسية على غرار مستعمرات فرنسا التي تسميها ” المقاطعات والأراضي وراء البحار” (DOM-TOM Départements Outre-mer et Terre Outre-mer) والتي لا زالت بعضها فرنسية إلى يومنا هذا مثل “الدومينيك” و”غوادلوب” و”لاريينيون” و “كاليدونيا الجديدة” و”بولينيزيا” و”كوييانا” و”مايوت“… ..
و”اتفاقية إيفيان” هي اتفاقية موقعة بين جمهورية الجزائر وجمهورية فرنسا بغرض إنهاء حقبة الاستعمار الفرنسي التي خيمت على البلاد لمدة 132 سنة، وعليه نالت الجزائر استقلالها وحريتها، وتذكر أنها تمخضت عن مفاوضات بين الطرفين اضطرت فرنسا للقبول بها جرّاء الخسائر التي تكبدتها عقب اندلاع ثورة التحريري في مطلع شهر تشرين الثاني نوفمبر عام 1954 وذلك نتيجة ضغوطات من الرأي العام الداخلي، والأزمة المالية الاقتصادية التي مرّ بها البلد المستعمِر.
من سلبيات “اتفاقية إيفيان” (نورد بعضها في هذا المقال) أنها دافعت عن حق مستوطني فرنسا في الجزائر ووفرت لهم امتيازات حماية فيما لم تتطرق للحديث عن وضع الجزائريين في فرنسا، مع أنه من المفروض معالجة مشكلة المهاجرين وتقرير حقوقهم؛ لأن ذلك سيعرضهم لمشاكل خطيرة دون حماية قانونية؛
وحصلت فرنسا على امتيازات عدة في ميدان المعادن والبترول والغاز، مع العلم أن هناك اتفاقيات سرية اخري لم يعلن عنها الى اليوم منها أنبوب الغاز؛
وحصلت فرنسا على امتيازات عدة، إذ قضت الاتفاقية بمنح الجزائر فرنسا حق استخدام الميناء البحري والجوي في المرسى الكبير في وهران لمدة 15 سنة قابلة للتجديد على سبيل الاستئجار، وكذلك استخدام المواقع التي تحتوي على منشآت عين أكر وورقان ومنشآت بشار وحمام وغيرها لمدة 5 سنوات بترخيص جزائري، ناهيك عن تسهيلات مطارات بوفاريك وعنابة، في حين لم تحفظ حق الجزائريين الضحايا جرّاء التجارب النوورية الفرنسية في الصحراء؛
وسمحت لفرنسا بمواصلة التجارب الذرية في قاعدة رقان جنوبي ادرار، وهو أمر سلبي له انعكاسات خطيرة على سكان المنطقة، وعليه فقد دفعت فرنسا تعويضا ماديا للمتضررين في السنوات الأخيرة. صياغة بنود الاتفاقية باللغة الفرنسية دون اللغة العربية، علمًا بأن اللغة مظهر من مظاهر السيادة؛
والعفو الشامل من الجهتين والذي أفرز أشخاصًا داعمين للوجود الفرنسي، وقد استمروا بنشر وتعزيز ثقافة فرنسا، فلم تتخلى هذه الفئة عن أهدافها الاستعمارية، كما سمح العفو الشامل بحماية الناس الذين يعملون مع فرنسا منذ الثورة ثم اندمجوا مع الثوار كمجاهدين مزيفين وقادوا نضالًا وهميًا….