عبد القادر كتــرة
ثلاث وثلاثون سنة مضت على الإعلان عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، أو المغرب الكبير، وما زال المغاربيون لم يجدوا سكة قطارهم الوحدوي الذي عقدت عليه الشعوب الخمسة آمالها الكبيرة في تحقيق الوحدة المنشودة والمفقودة، رغم تعاقب الحاكمين ورغم هبوب رياح “الربيع الديمقراطي العربي”، وتغيير أنظمة الحكم في تونس وليبيا، ورغم تقديم تنازلات لترسيخ الديمقراطية في بعض البلدان الأخرى، وتشديد الخناق على الحركات الشعبية بقبضة عسكرية حديدية في الباقي، (لم يجد القطار السياسي سكته) ليتشكل مشهد سياسي مغاربي جديد قد يجد حلولا لمشاكله السياسية ومعاناة شعوبه الاقتصادية والاجتماعية.
قطار آخر، كان يخترق الحدود المغاربية، ذهابا وإيابا، يحمل نفس الاسم (قطار الوحدة) توقف بصفة نهائية منذ سنوات قاربت ثمان وعشرين سنة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق أطلس أسني بمراكش وقرر المغرب، على إثرها ، إغلاق الحدود البرية مع الجزائر، بعد ثبوت تورط جزائريين في العملية الإرهابية.
هذا القطار الذي كان يقل مئات المسافرين من الأقطار المغاربية وينقل أطنانا من السلع والبضائع ويجسد الوحدة الجغرافية الحقيقية لهذه البلدان، توقف وصدئت سكته وعلاها التراب وغطتها الأعشاب وتحولت طريقه إلى فضاء يستهوي المتسكعين والمتعاطين لشتى أنواع الخمور والمخدرات، بعيدا عن أعين المارة والمستطلعين ورجال الأمن، بل أصبحت بعض أركانه خطيرة نتيجة الاعتداءات الدموية والإجرامية.
سكة صدئة كانت تنتظر استئناف قطار “المغرب العربي” أو “المغرب الكبير”، لرحلاته المكوكية لتلميعها من جديد وتمكينها من إيقاد بريق أمل يفتح الحدود بين الأقطار “الشقيقة” وتبديد الفرقة ورأب الصدع وتجاوز الخلاف والاعتراف بواقع الجوار وقوة الكتلة، ومضاهاة القطارات السياحية ذات المسافات الطويلة بسيبيريا وأمريكا والبرازيل والهند والصين وغيرها…
استنفذ صبر وجدة المدينة الألفية بوابة المغرب الكبير وتيقنت أن أبوابه لن تفتح ما دام نظام البلد الجار يرفض ذلك ويتمسك بالفرقة ويختلق الخلاف ويغذيه بالحقد والكراهية والعداء للمملكة المغربية الشريفة وبعد أن أقسم جنرالاته بثكنة بن عكنون بأغلظ الأيمان أنهم لن يتركوا المغرب الجار يتقدم خطوة إلى الأمام ولن ينعم بلحظة سلم وأمان، فقررت هذه المدينة المغربية المجاهدة مدينة زيري بن عطية، معقل الثورة الجزائرية، إبان الاستعمار الفرنسي، وبيت وملاذ لقادته الذين حكموه الجزائر والذين كان يطلق عليهم ” جماعة وجدة”، منذ الاستقلال إلى اليوم، قررت وجدة المجاهدة “ردم” و”إقبار” السكة الحديدية الصدئة لهذا القطار وتعبيد الطريق للمواطنين المغاربة وتسهيل سيرهم وعبورهم وتواصلهم فيما بينهم، وإقامة فضاء للتثقيف والترفيه، على أنقاض المحطة القديمة، بإنشاء منتزه للترفيه للكبار والصغار، وإحداث مكتبة جهوية نموذجية على وشك الافتتاح.
ومن المفارقات العجيبة الغريبة وربما المضحكة المبكية، كان هناك حديث للبلدان المغاربية، عن مشروع “خط مغاربي” لقطار فائق السرعة ينطلق من الدارالبيضاء ويمر عبر الرباط ثم وجدة، والذي من المفترض أن يصل إلى طرابلس عبر الجزائر العاصمة وتونس العاصمة، في أفق إحداث شبكة مغاربية للسرعة الفائقة.
ويشير التصميم المديري لمشروع قطار السرعة الفائقة إلى مضاعفة عدد المسافرين، في أفق 2035، وبلوغ 133 مليون مسافر مقابل 52 مليون عبر الخط العادي، ونتمنى أن لا يخرج هذا المشروع إلى النور حتى لا يقع ما وقع لسابقه.
واليوم وبعد إعدام خط هذا القطار الذي وضع فيه المغرب كلّ امال شعوب المغرب الكبير، وبعد أن تمّ “دفْن” سريره إلى غير رجعة، وجب على مسؤولي المدينة التفكير في هدم القنطرة التي أصبحت عائقا، وتوجد على شارع مولاي الحسن بحي الطوبة الخارجي لتحرير مزيد من الفضاء التحتي أو الفوقي، والتي لم تعد تصلح لأي شيء، حاليا أو مستقبلا، ومنح مزيد من حرية التنقل والسير والجولان للمركبات والمواطنين.
للتذكير، يرجع تشييد الشبكة السككية المغربية إلى أوائل القرن العشرين بحيث وضعت الخطوط الأولى ذات التباعد المتري ابتداء من سنة 1916. ولم تشيد السكك الحديدية ذات التباعد العادي، سوى سنة 1923 وقد عهد ببنائها لثلاث شركات خاصة تستغل كل منها الجزء الذي أوكل إليها من الشبكة. وفي سنة 1963، قررت الحكومة المغربية إعادة شراء الأجزاء التي تم تفويتها وإنشاء المكتب الوطني للسكك الحديدية، الذي وضع تحت وصاية السلطة الحكومية المكلفة بقطاع النقل.
ويشار، كذلك، إلى أن أول محطة قطار بالمغرب تم بناؤها بمدينة وجدة سنة 1910، وكانت أول رحلة للقطار بين وجدة ومدينة مغنية الجزائرية سنة 1911، مع العلم أن مدينة وجدة تم احتلالها من طرف المستعمر الفرنسي سنة 1907.