عبد القادر كتــرة
كشفت وسائل الإعلام الجزائرية وتناقلتها بعض المواقع الإخبارية العربية “أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أبلغ أعضاء مجلس الأمن الدولي ترشيح الجزائر وزير الخارجية السابق، صبري بوقادوم، لمنصب رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.”
ومن المنتظر أن يدرس أعضاء مجلس الأمن المقترح يومه الجمعة والردّ على طلب الترشح بالرفض أو الموافقة، بعد موافقة رئيس الوفد الدائم لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة، السفير ماجد عبد الفتاح، في رسالة موجهة لمجلس الأمن، بتعيين وزير الخارجية السابق، صبري بوقادوم، بمنصب رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ضمن التحرك الإفريقي المكثف لتعيين مبعوث خاص في ليبيا.
ومن غرائب النظام العسكري الجزائري أن الخبر الذي قدّمه ونشره وتمّ تداوله على أوسع نطاق من طرف وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وغير الرسمية، يُفهم منه “أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس هو من اختار الوزير الجزائري السابق المعروف بتصريحه ” نحن دائماً نصبُ الزيت على النار في علاقاتنا مع المغرب”، ورشحه لمنصب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حيث ينتظر ردهم قبل يومه الجمعة على القرار، لكن في الحقيقة قام المين العام بإبلاغهم بالترشيح الذي قدمته الجزائر.
وبالموازاة مع هذا الترشيح، راسل الاتحاد الأفريقي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بقائمة بأربع مرشحين لشغل منصب رئيس البعثة الأممية في ليبيا، على ما كشف موقع “أفريكا إنتليجنس” الفرنسي.
ومن ضمن المرشحين المحتملين وزير الخارجية السوداني السابق، مصطفى عثمان إسماعيل، الذي عمل لبعض الوقت في مكتب رئيس الدولة السابق عمر البشير، وشغل منصب سفير السودان لدى الأمم المتحدة في بروكسل، إلى جانب وزير الخارجية الموريتاني السابق، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وهو الآن رئيس ديوان الرئيس الموريتاني، وقد تولى هذا المنصب الجديد في أبريل.
إضافة إلى الدبلوماسي الغاني محمد بن شمباس الممثل الخاص للأمم المتحدة لغرب أفريقيا من 2014 إلى 2021، وهو الآن الوسيط في غينيا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، علاوة على الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مامان سامبو صديقو، من النيجر، وكان ممثل الاتحاد الأفريقي في مالي والساحل منذ العام 2021 بعد دوره كسكرتير تنفيذي لمجموعة الساحل الخمس
وجاء طرح اسم الدبلوماسي الجزائري بعد التحرك المكثف مع الأمم المتحدة للدفع نحو اختيار مرشح أفريقي لمنصب البعثة الأممية.
وبوقادوم المشهور بتصريحه ” نحن دائماً نصبُّ الزيت على النار في علاقاتنا مع المغرب”، شغل منصب الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة من دجنبر 2013 حتى تعيينه وزيرا للخارجية الجزائرية في 31 مارس 2019 ليتم إبعاده في يوليو 2021 من الحكومة الجزائرية وتعيين بدلا منه رمطان لعمامرة. وقبلها عمل سفيرا بالبرتغال وكوت ديفوار، كما شغل منصب مدير مساعد للشؤون السياسية بالأمم المتحدة ونزع السلاح من 1992 إلى 1993.
وهذه هي المرة الثانية التي يترشح فيها دبلوماسي جزائري لتولي منصب ممثله الخاص ورئيس البعثة الأممية في ليبيا في ظرف عامين، إذ كان قد رشح في مارس 2020، الدبلوماسي رمطان لعمامرة، (وزير الخارجية الجزائري الحالي)، لشغل المنصب، بعد استقالة المبعوث السابق اللبناني “غسان سلامة”، لكن اعتراضات من بعض الدول دفعت لعمامرة إلى الإعلان في 17 إبريل 2020، سحب موافقته المبدئية على شغل المنصب.
وكشف لعمامرة حينها أن الأمين العام للأمم المتحدة اقترح عليه شخصيا تقلد منصب الممثل الخاص وأنه أبدى موافقته، لكنه أقرّ أن المشاورات التي قام بها “غوتيريس” لم تحظ بإجماع مجلس الأمن، وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية حينها أن “مساعي تعيين لعمامرة تمت عرقلتها في الواقع من قبل تحالف من الفاعلين الإقليميين والذين وجدوا أذانا صاغية داخل إدارة “دونالد ترامب” في واشنطن، كمصر والإمارات وفرنسا، إضافة إلى المغرب”.
وسبق أن عارضت واشنطن تعيين الدبلوماسي الجزائري لعمامرة مبعوثا أمميا إلى ليبيا قبل أن توكل المهمة إلى “يان كوبيش” الذي استقال من منصبه في نونبر 2021 ورجحت مصادر دبلوماسية وقتها سبب “الفيتو” الأميركي قرب لعمامرة من موسكو المتهمة بالتدخل عسكريا في ليبيا عبر مرتزقة “فاغنر”.
وتستعد المستشارة الأممية، “ستيفاني وليامز”، لترك منصبها في 30 يونيو الجاري في حين لا يزال منصب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا شاغرا منذ استقالة “يان كوبيش.”
وفي المحصلة، جاء إخفاق الجزائر في تعيين مرشحها بهذا المنصب ليفشل كل ما راهنت عليه من وراء هذا التعيين، سواء فيما يتعلق برهانها على العودة إلى الساحة الدولية كعنصر مؤثر واستثمار ذلك على الصعيد الإقليمي والقاري، أو في تسويق هذا التعيين داخليا لرأي عام مستاء من سياسة النظام على جميع الأصعدة، مما يؤشر على عزلة متزايدة وإخفاء متواصل في إدارة مختلف الملفات، والغريب في الأمر أنها ألقت بأسباب فشلها على كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر المدعمتين للواء المنشق خليفة حفتر.
كما حشرت المغرب، في تناقض صارخ، في قضية فشلها بعد أن عجز النظام العسكري الجزائري في إزاحته عن الملف الليبي والذي كان مهندس اتفاق الصخيرات (2015) أو الاتفاق السياسي الليبي*، واتهمت البلدان العربية الثلاثة باعتراضها على تكليف وزير الخارجية السابق رمضان لعمامرة وسيطا في ليبيا، والضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل قطع الطريق على لعمامرة (!!!)، باستعمال واشنطن حق الفيتو بحقه قبل أن يعلن لعمامره انسحابه بعد أن تيقن من استحالة حصوله على موافقة مجلس الدولي، في ظل رفض واشنطن لذلك.
هذا ما ثبت فعلا بعد استبعاد الفاشل الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة وصدقت الولايات المتحدة الأمريكية حيث قام اللواء رئيس أركان الجيش الجزائري ونائب وزير الدفاع سعيد شنقريحة 350 مقاتلا من مليشيات جبهة البوليساريو تدربوا تحت إشرافه إلى ليبيا، للقتال في صفوف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مقابل رواتب شهرية تصل إلى ألف دولار ستتكفل بها خزينة الإمارات.
ومن المستبعد جدا أن يوافق أعضاء مجلس الأمن على قبول ترشيح وزير خارجية الجزائر السابق، صبري بوقادوم، لمنصب رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا “الذي ستكون مهمته صبّ الزيت في النار” وفق سياسة جنرالات النظام العسكري الجزائري، كما أن الأطراف الليبية المتناحرة لن ترحِّب بممثل للأمين العام من الجزائر، بسبب عدم حيادها في القضية وتأكد انحيازها لأحد الأطراف بالتصريح لا بالتلميح، بل صرح رئيس الجزائر عبدالمجيد تبون في أحد حواراته أن الجيش الجزائري كان على أهبة التدخل في ليبيا والدخول إلى العاصم طرابلس الذي اعتبرها خطا أحمر، دون الحديث عن دعم وتمويل مرتزقة “فاغنر” الروسيين، ولا شكّ أن الجميع يتذكر تهديد اللواء المتقاعد خليفة حفتر للعسكر الجزائري إن هو اجتاز الحدود الليبية.
(*اتفاق الصخيرات (2015) أو الاتفاق السياسي الليبي هو اتفاق شمل أطراف الصراع في ليبيا وتم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات في المغرب بتاريخ 17 دجنبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي “مارتن كوبلر” لإنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية المندلعة منذ 2014، وقد بدأ العمل به من معظم القوى الموافقة عليه في 6 أبريل 2016. وقع على هذا الاتفاق 22 برلمانياً ليبياً على رأسهم صالح محمد المخزوم عن طرف المؤتمر الوطني العام الجديد وامحمد علي شعيب عن طرف مجلس النواب الليبي).
وكان أهم ما تضمنه الاتفاق: منح صلاحيات رئيس الحكومة لمجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني الذي يترأسه رئيس الحكومة نفسه وعلى رأسها قيادة الجيش والقوات المسلحة وبدء مرحلة انتقال جديدة تستمر 18 شهر وفي حال عدم انتهاء الحكومة من مهامها قد يتم تمديد المدة 6 أشهر إضافية ونص الاتفاق أيضاً على تشكيل المجلس الأعلى للدولة من أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد والإبقاء على مجلس النواب الليبي المنتخب في يونيو 2014).