عبد القادر كتــرة
أوقفت مؤخرا فرقة من الشرطة الإسبانية التابعة للواء الهجرة والحدود بمركز الشرطة الوطنية في “إيبيزا” بإسبانيا، 16 مهاجرا سريا (حراكا) جزائريا بينهم 6 قاصرين وامرأتين، كما تم اعتقال مواطنين جزائريين وهما صاحب القارب ومساعده، بتهمة ارتكاب جرائم ضد حقوق مواطنين الأجانب والتحريض على الهجرة غير الشرعية.
وكان الأطفال “الحراڭة” الجزائريون الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 14 سنة، صحبة ثمانية، منهم رجال، وامرأتان، وستة قصر، وجميعهم جزائريون لا يحملون وثائق، على متن قارب يفتقر إلى تدابير السلامة الأساسية بالإضافة إلى الحمولة الزائدة.
وكشفت التحقيقات ملابسات الرحلة، ومكانها الأصل، وطول الرحلة، والظروف الرهيبة التي سافروا فيها على زورق مكتظ بالكامل ولا مجال للتحرك كما أن العديد من الركاب لا يعرفون السباحة.
وتأتي هذه المأساة بعد عملية غير مسبوقة أصابت الإسبانيين بصدمة قوية بعد وصول قارب موت على متنه 14 امرأة جزائرية “حراڭات”، مهاجرات سرية، فقط، إلى شاطئ ألميريا الاسبانية، الخميس 23 دجنبر 2021، بعد أن كانت قوارب الموت تحمل فقط الشباب والأطفال وبعض الكهول.
عملية أثارت دهشة الإسبانيين وحركت لديهم نوعا من الشفقة وتخوفات من مستقبل قد يكون أكثر إيلاما وتوجسا من نزوح أكبر من نساء من مختلف الأعمار بعد هجرة لآلاف الشبان والكهول عجزت إسبانيا عن مواجهتها.
وكشفت منظمة إسبانية غير حكومية عن غرق 413 “حراك” جزائري ( مهاجر غير شرعي عبر قوارب الموت ) في عرض البحر الأبيض المتوسط، خلال عام 2021، بعد أن فشلوا في بلوغ السواحل الإسبانية، مقابل 291 مفقود خلال عام 2020.
وأوضحت كذلك أن الإحصائيات المسجلة خلال السنة الجارية تشير إلى تسجيل حصيلة ثقيلة، حيث تم الإبلاغ عن غرق 8 قوارب خلال.
ونجح أكثر من 15 ألف حراك جزائري، ضمنهم نساء وأطفال، في الوصول إلى السواحل الإسبانية، منهم من يتواجد في السجون الأوروبية، فروا مما يسمونه الفقر و”الميزيرية ” و”المعريفة” (الفقر والزبونية)، ويشتكون من نقص الفرص ونحسهم الدائم في الحياة، ركبوا قوارب الموت وعبروا البحر الأبيض المتوسط هروبا من جحيم بلدهم في اتجاه الشواطئ الشمالية المعروف ب”الجنة” الأوروبية و”الإلدورادو” الأوروبي فيصدمون حيث يجدون أمامهم “جحيما” من نوع آخر سماته العنصرية والبؤس والجوع والمضايقة والمطادرة والسجن…
وبمجرد ما تطأ أقدامهم أرض “الميعاد”، يتحول حلمهم إلى كابوس، وتضيق عليهم أوروبا بما رحبت، لتغدو شبرا على شبر في سجون أشبه بمقبرة أحلام، لا تميز الخبيث من الطيب، فلا ينفع الندم ويفقد “الحراك” كلّ أمل في العيش الكريم بل حتى في حرية الطير، نتيجة وقوعه في فخ الجريمة، من أجل البقاء على قيد الحياة، بعد النجاة من قوارب الحرقة.
وبمجرد وصولهم، يسجدون سجدات الشكر حمدا لله على سلامتهم، ويتناقل أصدقاؤهم فرحتهم عبر لايفات وفيديوهات مؤثرة، على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنهم بعد خطوات فقط من سواحل أوروبا، يصطدمون بواقع مخيف.. فلا عمل، ولا زواج أبيض من أجل الأوراق… فينحرف معظم الشباب لأنهم نشأوا على الانحراف هناك في بلد خلفوه وراءهم.
من القصص المثيرة للدهشة، قصة شاب من شباب الجزائر الضائع، استعار قاربا عام 2017، للهجرة إلى إسبانيا، ومنها دخل إلى مدينة كان بفرنسا، ولم يقم هذا الشاب بجريمة شنيعة، أو ارتكب مخالفة فظيعة.. جرمه الوحيد، أنه بلا أوراق، وقد حكم عليه بأربعة أشهر نافذة. وفي جلسة الحكم، صرخ الشاب متوسلا: “لقد سئمت من السجن، يا سيدي، أريد العودة إلى بلدي”.
عاد عدد كبير من الجزائريين والجزائريات من جميع فئات المجتمع مِن شباب وكهول ونساء وحتى أطفال، بقوة إلى خيار الهجرة السرية عبر قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية، بعد غرقهم في البطالة والفقر وانسداد الأفاق وفقدانهم الأمل في مستقبل يضمن له الكرامة والعيش الكريم وشعوره بالإحباط، أملاً منهم بحياة أفضل بعدما عجزت حكومة النظام العسكري الجزائري عن تحقيق أي من وعودها، ما أفقدهم الأمل مرة أخرى.
وتشهد الجزائر، في السنوات الأخيرة، نزوحا منقطع النظير وهجرة سرية كثيفة، قد تعد بالآلاف، عبر قوارب الموت، ظاهرة عادت بقوة بسبب تبخّر أحلام الشباب وتقلّص آفاق التغيير واليأس السياسي والاجتماعي، إضافة إلى التضييق السياسي والإعلامي، حيث قرر الكثير منهم المغامرة مجدداً والسعي إلى الهجرة السرية من خلال مراكب تقليدية، على الرغم من المخاطر الكبيرة، وعادت الأخبار المتعلقة بإحباط محاولات الهجرة أو وصول مهاجرين إلى السواحل الإسبانية والإيطالية تتصدر نشرات الأخبار واهتمامات الجزائريين.
وسبق أن تداولت العديد من الصفحات عبر منصات التواصل الاجتماعي ، السبت 25 شتنبر 2021، خبر العثور على عدد مِن جثث الحراكة الجزائريين قبالة سواحل ألميريا الإسبانية.
وتم العثور على جثث 8 جزائريين صباح الأحد الماضي في مناطق متفرقة من ساحل ألميريا، وفق ما أكده الحرس المدني الإسباني، و من بين الضحايا صبي يبلغ من العمر حوالي أربع سنوات.
ووصل منذ نهاية الأسبوع الماضي 32 قاربًا على متنها 376 شخصًا. ويعتبر مسار الهجرة الذي يربط الجزائر بسواحل ألميريا ومورسيا وأليكانتي وجزر البليار هو الأكثر نشاطًا حاليًا بعد جزر الكناري.
وحتى منتصف غشت الماضي، سجلت المنظمة الدولية للهجرة 81 قتيلًا ومفقودًا على هذا الطريق من إجمالي 425 شخصًا فقدوا أثناء محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الإسبانية.
وكشف تقرير حديث لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس” أن 67 بالمائة من الحراكة الواصلين إلى إسبانيا حتى نهاية يوليوز الماضي عبر البحر المتوسط، هم من جنسية جزائرية.
وفي تفاصيل التقرير المنشور في 12 غشت 2021، أن محور الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط نحو إسبانيا شهد العام الجاري حتى نهاية جويلية، وصول 7040 مهاجر سري (حرّاك) عبر 1380 عملية وصول.
ولفت التقرير إلى أن الحرّاكة الجزائريين شكلوا ثلثي الواصلين إلى سواحل إسبانيا، خلال هذه الفترة، من إجمالي 7040حراق، وبموجب هذه البيانات فعدد الجزائريين الذين وصلوا إسبانيا عبر المتوسط خلال السنة الجارية بلغ 4717 حرّاك.
وحسب الوكالة فإن الحراكة المغاربة جاؤوا في المرتبة الثانية من حيث جنسيات الواصلين إلى إسبانيا، دون تقديم أرقام عنهم، وعزا التقرير هذا العدد الكبير للجزائريين الحراقة نحو إسبانيا، إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقت انتشار جائحة كورونا، ما دفعهم للإبحار بطرق غير نظامية نحو إسبانيا.
وقبل أيام كشفت الشركة الإسبانية عن نشاط لشبكة محلية تتعاون مع جزائريين تقوم بتهريب الحرّاكة إلى إسبانيا عبر القوارب السريعة، وذكر أنها حققت نحو 2.5 مليون أورو (40 مليار سنتيم) جراء هذا النشاط الإجرامي.
أما بخصوص إيطاليا، فإن بيانات وزارة الداخلية الإيطالية تشير إلى وصول أكثر من 500 حراق من الجزائر عبر محور عنابة سردينيا، حتى نهاية جوان الماضي، وهو رقم متراجع مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.
وخلال الفترة الممتدة من 10 إلى 17 نونبر الماضي، تمكنت قوات خفر السواحل والدرك من إحباط محاولات هجرة غير شرعية وإنقاذ 290 شخصاً كانوا على متن قوارب مطاطية وقوارب تقليدية الصنع بـ8 محافظات من شرق إلى غرب البلاد مروراً بوسطها.
معطيات رسمية تؤكد وفق الإخصائيين والمراقبين عودة تنامي ظاهرة الهجرة السرية بالجزائر، بالإضافة إلى كونها منطقة عبور مهاجرين غير شرعيين من الساحل والصحراء باتجاه أوروبا، وسط تحرك رسمي لردع هذه الظاهرة التي بدأت تقلق السلطات الجزائرية.
واحتلت الجزائر المرتبة الأولى، إلى حدود نهاية سنة 2020، من حيث عدد المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين الوافدين على إسبانيا هذا العام، فيما يستمر عددهم في الزيادة مقارنة بجنسيات أخرى في إسبانيا، وذلك حسب ما أوردته صحيفة الباييس الإسبانية .
وتوقع تقرير للمفوضية الأوروبية، على المدى المتوسط، أن “يظل ضغط الهجرة الجزائري مرتفعا، بالنظر إلى أن شبكات المرور التي قامت بتعديل أسلوب عملها وتنظيم رحلات مغادرة متزامنة، لتتجاوز قدرات السلطات الجزائرية على الرغم من قيود كوفيد_19″.
وحسب نفس المصدر، فقد “ازداد وصول قوارب الهجرة غير الشرعية إلى مرر الجزائر – إسبانيا منذ غشت 2019 كالمعتاد من كل عام، غير أن هذا الضغط استمر خلال الأشهر الأولى من هذا العام”، مضيفا “كان هناك انخفاض طفيف في ضغط الهجرة من الجزائر في أبريل، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى سوء الأحوال الجوية، ولكن وصول المهاجرين غير الشرعيين تضاعف ثلاث مرات تقريبًا خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر ماي” .
وذكر التقرير أن 46٪ من الواصلين بالقوارب عبر المضيق وبحر البوران – الجناح الغربي للبحر الأبيض المتوسط الذي لا يشمل مسار جزر الكناري – غادروا الجزائر، حيث بقيت النسبة نهاية 2018 و 2019، تمثّل ما بين 5٪ و 10٪ . وإلى غاية 3 ماي 2020 يؤكد التقرير وصول1389 شخصً بشكل غير شرعي إلى إسبانيا قادمين من الجزائر وكانوا جميعًا جزائريين.
وعبرت السلطات الإسبانية عن قلقها لاستمرار هذا التدفق للوافدين عبر هذا الممر، على اعتبار أنه يأتي في سياق انخفضت فيه الهجرة بنسبة 50٪ في عام 2019. ولا تزال تنخفض في عام 2020 بسبب قيود الحدود المفروضة على بلدان المنشأ والعبور للمهاجرين، لكن الجزائريين هم الجنسية الوحيدة التي لا تنخفض بشكل ملحوظ في سجلات الدخول غير الشرعي.
وأشارت صحيفة الباييس نقلا عن التقرير الأوروبي ان “الإحباط السياسي، الذي يؤثر بشكل خاص على جيل الشباب الجزائري ، يضاف إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي زادت ضغوطاته بسبب الوباء، ظروف زادت من تحفيز الجزائريين على الهجرة”.
كما لاحظت السلطات الإسبانية وجود اختراق أمني على الطريق التقليدي، حيث أصبح معظم الجزائريون ينظمون رحلات القوارب بمفردهم، دون الاعتماد على التنظيمات الإجرامية للهجرة، غير أنها تلفت أيضا أن نشاط المافيا تكثّف وتطور بشكل مقلق.