عبد القادر كتــرة
بعد الصدمة التي تلقاها عقب عودة العلاقات الاسبانية المغربية إلى حالتها العادية بل أكثر من ممتازة واعتراف إسبانيا بالسيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية الجنوبية ودعم مقترح الحكم الذاتي، دخل جنرالات ثكنة بنعكنون وكهنة معبد قصر المرادية بالجزائر في حالة من الهيستيريا وغرقوا في بحر من التيه ولم يعرفوا أين يُولّوا وجوههم، إلا الارتماء الكلّي في أحضان إيطاليا بحثا عن شيء من الدفء والحنان والأمن مثل طفل لأمه أو عشيقة لعشيقها.
وبعد أن أغرى النظام العسكري الجزائري في السابق إسبانيا ومنحها الغاز بأسعار تفضيلية إن لم يكن بعضها مجانا مقابل بعد المواقف والخدمات قبل أن تراجع الحكومة الاسبانية مواقفها من المغرب وبعد أن أخذت من الجزائر ما أخذت، عاد مرة أخرى ليقوم بنفس التجربة مع إيطاليا ليمنحها نفس الامتيازات وتزويدها بالغاز والبترول بأسعار تفضيلية انتقاما من إسبانيا ومخافة حذو الحكومة الإيطالية حذو الحكومة الاسبانية والاعتراف بالسيادة المغربية على صحرائه، تحت شعار “خذوا الغاز بنصف يورو، وخَلُّولي البوليساريو”.
كانت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، خلال أبريل الجاري، للجزائر مثمرة ومربحة توّجت بتوقيع اتفاقية بين الجزائر وإيطاليا في قطاع الطاقة، بين شركتي سوناطراك وإيني لتعزيز تزويد إيطاليا بالغاز الطبيعي الجزائري.
وقال دراغي : “العلاقات الجزائرية-الإيطالية عميقة، فالجزائر أول شريك تجاري لإيطاليا في القارة الإفريقية والتبادل التجاري في تطور مستمر .. سبق للرئيس الإيطالي أن زار الجزائر شهر نونبر الماضي ونسعى اليوم لتقوية العلاقات وتعزيزها بين البلدين وقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين بلدينا في مجال الطاقة“.
وأعلن دراغي توقيع اتفاقية بين سوناطراك وإيني لزيادة تزويد إيطاليا بالغاز الجزائري، قائلا “بعد الأزمة في أوكرانيا تسعى إيطاليا إلى تعزيز قدراتها في مجال الغاز الطبيعي من أجل تقليل التبعية للغاز الروسي والاتفاق الذي توصلنا إليه اليوم يدخل في هذا الإطار”، وأضاف “الحكومة الإيطالية تسعى لحماية مواطنيها حتى لا تبقى متعلقة بهذه الأزمة“.
وأكد نفس المتحدث أن إيطاليا مستعدة للتعاون مع الجزائر في مجال الطاقات المتجددة والمساهمة في دعم سوق الشغل في الجزائر إضافة على مجالات أخرى، حيث سيكون لقاء اليوم متبوع بلقاء القمة بين الحكومتين شهر جويلية المقبل.
قرر جنرالات ثكنة بن عكنون الجزائريين، حسب موقع دعائي للانفصاليين، “المراهنة على روما وإخراج ما تبقى له من بيض في السلة الإسبانية ليضعه في السلة الإيطالية لاستفزاز مدريد، وأن النظام الجزائري قد يكون استدعى رئيس الوزراء الإيطالي لأمرين؛ الأول أنه سيستغل الحرب الأوكرانية لينعش اقتصاده ويرفع من صبيب الغاز المتدفق إلى قلب أوروبا لمنافسة الغاز الروسي، ولتعويض خسائر الجزائر من وقف الأنبوب المغاربي والاستفادة بالتالي من فارق الثمن وتعويض خسائر الغاز شبه المجاني الذي يتدفق إلى إسبانيا، والثاني أن يضغط على الحكومة الإيطالية باستخدام ورقة شراكات الطاقة، لانتزاع أول اعتراف من دولة قوية بالدولة الصحراوية، وإقامة سفارة لدولة إيطاليا بالمخيمات أو فتح سفارة للدولة الصحراوية بروما..”، الأمر الذي أحبط مرتزقة البوليساريو بعد تجاهل الحكومة الإيطالية رغبة الجزائر بل مباشرة بعد انتهاء الزيارة هاتف وزير خارجية إيطاليا وزير خارجية المغرب وأكد له تمسك إيطاليا بمواقفها.
وهذا الاتصال الذي أجراه وزير خارجيتها، “لويجي دي مايو”، مع وزير خارجية الرباط، “ناصر بوريطة”، تكون إيطاليا قد أجابت قصر المرادية بشكل رسمي حول الملف الليبي، وأبلغت الرباط ضمنيا بأن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي إلى الجزائر لن تؤثر بأي شكل على العلاقات مع الرباط، حيث قال الوزير الإيطالي في البلاغ المشترك الذي تداولته وكالات الأنباء الدولية: “أن المغرب شريك استراتيجي لإيطاليا ومحاور رئيسي بخصوص القضايا الإقليمية، بدءا من ليبيا“.
وعلق مدونون من الجزائر وخارجها، أن ذلك الاتصال وعبارات الإطراء والمجاملة التي تبادلها الوزراء فيما بينهما، تعد صفعة كبيرة للجزائر ولقصر المرادية على وجه الخصوص، بعد توقيع شركة سونطراك الجزائرية مع الإيطاليين صفقات توريد غاز إلى إيطاليا بأثمنة تفضيلية ستحرم خزينة الجزائر من عائدات بملايير الدولارات وستنعش الاقتصاد الإيطالي، دون أن تحصل الجزائر على أي تنازل إيطالي أو معاملة تفضيلية، بينما قدمت إيطاليا بعد أسبوع من لقاء رئيس الوزراء الإيطالي والرئيس الجزائري، ضمانات إلى الرباط بأن تلك الزيارة لم ولن تضر بالعلاقات مع الرباط.
من جهة أخرى، كان للإعلام الإيطالي، حسب نفس المصدر، قراءة أخرى ومعطيات مختلفة عما سربه الإعلام الروسي، وقالت الجرائد المقربة من الحكومة الإيطالية أن رئيس الحكومة الإيطالي كان أمامه ثلاثة خيارات للبحث عن بدائل للغاز الروسي، الذي يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تحاولان قدر المستطاع وقف وصوله إلى أوروبا، وهذه البدائل تتعلق بالغاز الأذربيجاني والغاز الليبي والغاز القطري-الإيراني، وأن الإيطاليين كانوا يستبعدون الجزائر لعلمهم بعدم قدرات شركة “سونطراك” على رفع سقف الإنتاج لتغطية كل الخصاص الإيطالي، في حال وقف الغاز الروسي بسبب العقوبات أو بسبب عجز أوروبا عن الأداء بالروبل،.
وأفاد الموقع البوليساري “لكن اللقاءات التي عقدها مدير مجموعة “سونطراك” مع مدير المجموعة الغازية الإيطالية “إيني”، دفعت قصر المرادية لعرض خدمة تفضيلية مع زيادة حصة إيطاليا عبر أنبوب “ترانس ميد” وبأثمنة أقل بكثير مما يوجد في السوق الدولية، وأن الإمداد الإضافي لن يتم توفيره بمضاعفة الإنتاج، بل سيتم خصمه من حصة السوق الداخلية في الجزائر لصالح التصدير، حيث تقول المعطيات أن السوق الجزائرية لوحدها تستهلك حوالي 48 مليار متر مكعب سنويا، وأن الحكومة الجزائرية تخطط لتقليص هذه الحصة إلى 15 مليار متر مكعب، وتوجيه 20 مليار متر مكعب إلى السوق الإيطالية لرفع عائدات البلاد، وأن المواطن الجزائري عليه أن يتحمل تبعات القرار، وأن يتفهم ما تقوم به الدولة الجزائرية من تضحيات لصالح الشعب الإيطالي “الشقيق”، الذي لا يمكن أن يمضي ما تبقى من أشهر فصل الشتاء و فصل الربيع تحت رحمة البرد”.
وأضافت الصحف الإيطالية أن الجزائر لن تقلص حصة الإسبان بسبب بنود العقد وخوفا من تفعيل العقوبات، وأن إيطاليا قدمت ضمانات إلى بروكسيل بأن مفاوضاتها مع الجزائر لن تكون على حساب المصالح الإسبانية، وكلنا نعلم أن العلاقات بين دول الإتحاد الأوروبي تنظمها بروكسيل، التي لها حق إنزال العقوبات على الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي إذا ما هي تسببت في الأضرار بمصالح الدول الأعضاء، وهو ما يذكرنا بمقولة ألبرت آينشتاين المشهورة عن الذكاء والغباء: “الغباء هو تكرار فعل نفس الشيء عدة مرات وتوقُّع نتائج مختلفة”.
وبحسب المحلل الجزائري أنور مالك: “فإن أهمية زيارة دراجي للجزائر مهمة للجانبين، إذ تبحث إيطاليا الآن عن تنويع مصادر الطاقة، في ظل العدوان الروسي على أوكرانيا، في حديثه إلى Decode39 “، وأوضح ضابط الجيش الجزائري السابق أن الجزائر بحاجة أيضًا إلى إيطاليا، “لأنها تعاني من نوع من العزلة الدبلوماسية. أعتقد أن هذه العلاقات قد تكثفت بين الجانبين، خاصة بعد زيارة رئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا . الآن يتم توطيد العلاقات في سياق مصادر الطاقة “.
وبخصوص كمية الغاز التي ستصل من الجزائر إلى إيطاليا، أوضح أنه “لا توجد معلومات متاحة، لكن من المرجح جدا أن تبدأ الزيادة قريبا. ومع ذلك، هناك بعض الحسابات التي يجرونها في الجزائر العاصمة لأن الجزائر لا تريد أن تفقد العلاقات مع الدول الأوروبية الأخرى والشراكة المتميزة مع روسيا التي تربطها بها علاقات عسكرية عميقة “.
وأكد المحلل ضابط الجيش الجزائري السابق على أن “هناك تعاون قوي في العديد من القطاعات بين إيطاليا والجزائر، بما في ذلك الطاقة، لكن ما تريده الجزائر في هذه المرحلة هو الدعم الإيطالي في قضية الصحراء الغربية. الجزائر ترى الآن أن هناك نزعة أوروبية لدعم المغرب. أولاً، اعترف الإسبان بخطة الحكم الذاتي الإقليمية للبلاد، ثم بدأ خطاب إيجابي بهذا المعنى في فرنسا وألمانيا. وتخشى الجزائر من توجهات أوروبية أخرى في دول الاتحاد الأوروبي وتسعى لتحالفات مع أحزاب تجد توازنا إلى حد ما… “.
في هذا السياق ، يذكر أنه في الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2021 ، كانت قيمة التجارة بين إيطاليا والجزائر تساوي 7.63 مليار يورو ، بزيادة قدرها 50.27 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2020. من أعلى- البيانات الحالية متوفرة من قبل مكتب ICE في الجزائر العاصمة.
وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى قفزة 92.5 في المائة في الواردات إلى إيطاليا من منتجات المناجم والمحاجر الجزائرية (من 2.62 مليار يورو إلى 5.05 مليار يورو) و 42.9 في المائة من فحم الكوك والمنتجات المشتقة من تكرير النفط الجزائري (من 470 مليون إلى 672 مليون يورو) . من جهتها ، تصدر إيطاليا منتجات بقيمة 1.76 مليار يورو إلى الجزائر (-9.1 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020).
السلع الإيطالية المصدرة بشكل رئيسي هي الآلات والمعدات (614.5 مليون يورو) ، الكيماويات (139 مليون يورو) ، فحم الكوك والمنتجات المشتقة من تكرير النفط (129 مليون يورو) ، المعدات والمعدات الكهربائية للاستخدام غير المنزلي. الكهرباء (126 مليون يورو) ، المنتجات المعدنية (118 مليون يورو ، بانخفاض 38.9 في المائة) ، المنتجات المعدنية ، باستثناء الآلات والمعدات (100 مليون يورو ، بانخفاض 22.8 في المائة) المنتجات الغذائية (93 مليون يورو ، بزيادة 73.3 في المائة). وكان الرصيد لصالح الجزائر مقابل 4.108 مليار يورو.