عبد القادر كتــرة
بعد أن تجاوز النظام العسكري الجزائري حدوده الديبلوماسية واحترامه الواجب لدولة ذات سيادة، وبعد أن تخطى الخطوط الحمراء التي تستجوبها اللباقة والأخلاق في العلاقات الدولية، وبَعْد أن نَهل من قاموس المارقين وأسلوب الأوغاد، عبارات وأوصافا ونعوتا هاجم بها مملكة إسبانيا وشعبها وحكومتها، لا لشيء إلا أنها مارست حقوقها واتخذت قراراتها السيادية في قضية تخصها وتعرفها جيدا وتعي تبعاتها، أملتها عليها مصالحها وضميرها.
لم يستحي النظام العسكري المارق في كيل السبّ والشتم والقذف في حقّ مسؤولي حكومة إسبانيا، موظفة في ذلك مزابلها الإعلامية الرسمية وقنوات صرفها الصحي ومختلف جرائدها المأمورة، واتهما بالخيانة للمرة الثانية للصحراء والنفاق والكذب على الشعب الإسباني والسلوك السياسي غير أخلاقي و…و…، مع العلم أنها الجزائر لا تُفوّت مناسبة إلا وعبرت عن عدم تدخلها في قضية الصحراء والمغربية وليست طرفا في النزاع وهي من اختصاص الأمم المتحدة و…و…
لكن يبدو أن الصدمة كانت قوية أفقدت جنرالات النظام العسكري الجزائري بثكنة بن عكنون صوابهم ووعيهم وعقولهم إلى حدّ إصابتهم بإسهال كلامي من السبّ والشتم والقذف تجاوزت كلّ الحدود المتعارف عليها بين الدول، أدهشت العالم وأثارت حفيظة الدول الأوربية والولايات المتحدة، جعلت مسؤوليها وقياديها التحرك لوضع حدّ لهذه العربدة.
موقع “أكسيوس” الأمريكي بأن وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن سيتوجه الأسبوع المقبل إلى الجزائر والمغرب بعد إتمامه زيارة مرتقبة لكيان الاحتلال والضفة الغربية بفلسطين.
زيارة بلينكن للجزائر تأتي تزامنا مع توترات متصاعدة في الأشهر الأخيرة بين الجزائر وإسبانيا بشأن اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه ودعم إسبانيا للحكم الذاتي المقترح من طرف المملكة المغربية وعودة العلاقات بين إسبانيا والمغرب لوضعها الطبيعي وتعميقها أكثر، كما جاء في رسالة رئيس الحكومة الإسبانية لملك المغرب.
هذا القرار أثار غضب النظام العسكري الجزائري وأصيب بهيستيريا نتج عنه هذيان وفقدان على السيطرة، الوضع الذي جعل وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن يتحرك ويقرر الذهاب إلى الجزائر لتوبيخ وتقريع وتحذير الجنرالات الحاكمين في هذا البلد، وتكميم أفواههم وأبواق مزابلهم الإعلامية، وإعادتهم إلى حجمهم الذي لا يتجاوز حجم قزم.
من جهة أخرى، أكد مدير مجلة “أتالايار” الإسبانية تعليقا على الموقف الجديد لإسبانيا من نزاع الصحراء، أنه “لم يكن من الممكن إبقاء الأزمة مفتوحة بين بلدين متجاورين، إسبانيا والمغرب، المتحالفين على الجانب الغربي، ضد الجزائر، الحليف التاريخي لروسيا”.
وأضاف خافيير فرنانديز أريباس، في مقال نشره اليوم 24 مارس 2022 بعنوان (البراغماتية الإجبارية) أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “وسع نفوذه في مالي، اعتمادا على مجموعة “فاجنر”، مما تسبب في رحيل القوات الفرنسية، وهو ما جعل الإسبان في وضع معقد، مع ما يشكله عدم الاستقرار في منطقة الساحل من تهديد كبير لشمال إفريقيا وأوروبا، وعلى رأسها إسبانيا”.
وقال أريباس إن “التهديد يأتـي من الجماعات الإرهابية التي تسيطر على الكثير من الأراضي، فضلا عن عملها على استقطاب الشباب الصحراوي في مخيمات تندوف”. مؤكدا أن إسبانيا والمغرب أنهيا مفاوضاتهما بالخروج من الأزمة بتوجيهات ووساطة من نائبة وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ويندي شيرمان، على أن تعترف حكومة إسبانيا بمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية”.
للتذكير، أشاد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بالموقف الإسباني الداعم للوحدة الترابية للمملكة، الذي أعلن عنه رسميا في الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس، الجمعة 18 مارس 2022، حيث أكدت على جدية ومصداقية الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية المغربية واعتباره الحل الوحيد لحل النزاع المفتعل في الصحراء.
وقال نيد برايس في تصريح صحفي، السبت 19 مارس 2022، “نشارك الموقف الذي أعربت عنه إسبانيا أمس بشأن قضية الصحراء وعلاقتها بالمغرب”.
وأكد نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، بدوره أن المبادرة المغربية جادة وواقعية وذات مصداقية.
يذكر أن وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، أكد خلال ندوة صحفية برشلونة، عقدها أمس، أن بلاده “تدخل مرحلة جديدة في العلاقات مع المغرب ونغلق بصفة نهائية أزمة مع شريك استراتيجي”.
وشدد على أن هذه المرحلة الجديدة ستكون قائمة على “الاحترام المتبادل، احترام الاتفاقات، عدم اللجوء إلى الإجراءات الأحادية، الشفافية والتواصل الدائم”.
وكان بيان لوزارة الخارجية المغربية عقب الرسالة الإسبانية قال، إن الرباط تثمن عاليا المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية، والتي تضمنتها الرسالة التي وجهها إلى الملك محمد السادس، رئيس الحكومة الإسبانية.
وذكر البيان أن العبارات الواردة في هذه الرسالة تتيح وضع تصور لخارطة طريق واضحة وطموحة بهدف الانخراط، بشكل مستدام، في شراكة ثنائية في إطار الأسس والمحددات الجديدة التي تمت الإشارة إليها في خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت الماضي.