عبد القادر كتـــــرة
لا شك أن المتتبع للشان الجزائري يلاجظ مدى اهتمام المسؤولين الجزائريين بتلميع صورتهم بخداع شعبهم على حساب الحقيقة والواقع خصوصا لما تكون العلاقات الجزائرية المغربية في الميزان ولما يكون المغرب محط أنظار العالم سواء على مستوى حضوره القوي في المؤتمرات أو اللقاءات الدولية أو حتى المنافسات الرياضية.
ولا يتوانى الحكام الجزائرييون في تلميع سياسة الجزائر في الوقت التي يحاولون فيه جاهدين الإساءة إلى صورة المغرب حتى أصبح من المتوقع لجميع المغابرة أن يكون المغرب مادة إخبارية سلبية في النشرات الجزائرية كلما سجل خطوات أيجابية أو فاز بلقب من الألقاب في مجال من المجالاتـ دون الحديث عن ما شهده من نقلة نوعية في التطور عبر إنجازاته وتحقيق مشاريعه الكبرى حتى أصبح وجهة للمستثمرين من مختلف بقاع العالم.
لقد تولد لدى الحكام الجزائريين عقدة اتجاه المغرب حتى أصبح العسكر الجزائري، حسب ما جاء به الحبيب “اسوايدية” في كتابه “الحرب القذرة” يلقن في مدارسه العسكرية للجنود الشباب أن أميركيا عدو لكن العدو الأول واللدود للجزائر هو المغرب (؟)…، وأصبح هاجسهم الوحيد ومشروعهم التدميري وأسطوانتهم المشروخة في صلب سياستهم، عداؤهم للمغرب بحيث يراقبون مراقبة مرضية خطواته وحركاته وسكناته…، كما يلقن الأطفال الصغار معلومات خاطئة ويحشون رؤوسهم بتاريخ مزور ويشحنونهم بأخبار زائفة وكاذبة ضد المغرب، منذ أكثر من 60 سنة، حتى أصبحت الأغلبية، اليوم، مستلابة، إلا من تربى خارج النظام في بلد آخر.
وسبق للجنرال السعيد شنقريحة، الذي عين نفسه بعد الوفاة الغامضة لسابقه أحمد قايد صالح ، قائدا لأركان الجيش الجزائري ، أن صرح بكل جرأة بعدائه وحقده الدفين اتجاه المغرب، أدهشت العالم.
السعيد شنقريحة الذي أصبح الحاكم الفعلي للجزائر بعد إزاحة الراحل قايد صالح الذي عينه خليفة له (كلُّ المصادر تجزم باغتياله من طرف شنقريحة بإشراف كل من بطلي العشرية السوداء الجنرالين خالد نزار وتوفيق مدين المحكومين بأـكثر من 20 سنة سجنا ) ويعمل على تصفية جميع الجنرالات الموالين للراحل قايد صالح أو الجنرالات المعارضين لسياسته التي تقود الجزائر إلى الهاوية.
لم يسبق لقائد عسكري في الجيش الجزائري أن ذهب بعيدا في تصريحاته المعادية ضد المغرب. فالتصريحات التي أدلى بها قائد القوات البرية السعيد شنقريحة، في منتصف شهر مارس 2016، خلال المناورات التي أجريت تحت إشراف الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، في قطاع العمليات جنوب تندوف، وهي المنطقة العسكرية الثالثة التي كان سعيد شنقريحة مشرفا عليها، كانت (تلك التصريحات) وكأنها “إعلان حرب”، ووصف المغرب بأنه “عدو الصحراويين والجزائر”!
والأدهى من ذلك، أن السعيد شنقريحة، الذي كان يتحدث أمام حشد من الجنرالات، استمر في هذيانه عندما وصفه الصحراء المغربية بأنها “أرض مغتصبة بدون وجه حق من قبل المستبد المغربي المحتل”!، كما لا يُفوِّت مناسبة للتصريح بعدائه للمملكة المغربية الشريفة ويهاجمها بسبب أو بغير سبب، إذا يجد متعة وراحة في السبّ والشتم والاتهام، الأمر الذي يؤكد أن هذيانه وإسهاله في لك نابع من قلب مريض وأسود مملوء بالحقد والغل والحسد والدونية…
وخلال الندوة الصحفية التي عقدت بتاريخ 29 فبراير 2020 بمقر وزارة الخارجية الجزائرية وجمعت بين “صبري بوقادوم”، وزير خارجية الجزائر السابق، والأمين العام لجامعة الدول العربية، “أحمد أبو الغيط”، صرح بوقادوم : “بأن الجزائر حريصة على صب الزيت على النار في علاقاتها مع المغرب”.
كما حدث مع “عبد القادر مساهل” وزير خارجية النظام العسكري الجزائري الأسبق الذي وجه تهما جزافية إلى المغرب واتهامه بنقل المخدرات عبر طائراته الى الخارج، دون أن يدرك بأن المطارات تؤطرها قوانين صارمة لا تسمح بمرور شحنات كبيرة من المخدرات، ولم يستطيع كذلك مدّ الصحافة بوثيقة تدل على صحة ما قاله، وظلت تصريحاته إلى يومنا مصدر إحراج للجزائر في كل الملتقيات الدبلوماسية الدولية، بل تبين فيما بعد أن طائرات الجوية الجزائرية هي التي تنقل المخدرات الصلبة إلى فرنسا والهواتف المسروقة من فرنسا وتمّ اعتقال عدد من المضيفين العاملين بها من طرف شرطة مطارات فرنسا، دون الحديث عن بواخر جزائرية الكوكايين التي تمّ احتجازها تحت إشراف دول أوروبية وأميريكة.
لقد تم خداع الشعب الجزائري لسنوات طوال بتقديم المغرب كدولة متخلفة وبلد فقير وشعب جائع ينتظر الصدقات. وكانت الاذاعة الوطنية الجزائرية على مدى ثلاثين سنة تمارس التعتيم وتنشر أفكارا مغلوطة وتُمني الجزائريين بكون بلدهم سيكون “يابان إفريقيا”، لكن فتح الحدود خلال الثمانينات تحت حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد غيرت تماما بشكل صادم الصورة التي تم ترسيخها لديهم لما زار المغرب ومدينة وجدة على الخصوص آلاف الآلاف من الجزائريين ووقفوا على الواقع المغربي وكانوا يصفونه ب”أميركا إفريقيا” وشاهدوا بأعينهم رخاء العيش ورغده ووفرة المواد التي كانوا يحلمون بها وأقبلوا بشكل مبالغ فيه على المشروبات الغازية المتنوعة والفواكه المختلفة من موز وبرتقال وبطيخ، وملابس…واندهشت الأطر الجزائرية التي زارت المدن المغربية وحلقت في سمائه مؤكدة أن المغرب خطا خطوات هامة على طريق التقدم وفاق الجزائر في ذلك رغم افتقاده للذهب الأسود…
لقد حاول هؤلاء الحكام تلميع صورة الجزائر ببناء مراكز حدودية وتشييد بعض الثكنات وتجهيزها بأحدث الوسائل وبتزيين القرى الجزائرية الحدودية المقابلة للقرى المغربية وتزويدها بالكهرباء وإيصالها بالطرق المعبدة والسماح لسكانها بممارسة تجارة التهريبن، في إطار سياسة إظهارها بمظهر القوة والتفوق، لكن نسوا هؤلاء أن سياسة النعامة لم تعد تنطلي على المواطنين الجزائريين يعانون من الفقر والبطالة والركون إلى الحائط ،كما يصفون العاطلين ب”الحائطيينles haitistes”…، دون الحديث عن آلاف الشباب الجزائريين الذين يركبون قوارب الموت يوميا للهجرة نحو الضفة الغربية بحثا عن لقمة عيش وكرامة النفس، الوضع الذي أقلق الدول الأوربية، ودفع الحكومة الإسبانية لاستدعاء وزير الداخلي الجزائري، الأسبوع الماضي، لتحذيره من تفاقم الوضع وإجباره على إعادة “الحراكة” الجزائريين إلى بلادهم.
وعرفت القرى والمدن الجزائرية غير ما مرة انتفاضات عارمة ومواجهات دامية خلفت ضحايا… وفي هدا الصدد عرفت الجزائر عدة اضطرابات واحتجاجات خلال السنوات الأخيرة قام بها السكان الجزائريون بالمناطق الحدودية خصوصا بمناطق مدن “بشار” و”تندوف” و”مغنية” حيث أحرقوا العلم الوطني الجزائري ورفعوا بدله العلم الوطني المغربي كما رددوا شعارات تنديدية واستنكارية بالإجراءات الأخيرة للحكومة الجزائرية التي مست لقمة عيشهم وحَدَّتْ من نشاطاتهم التجارية ومنها الزيادة في المواد الاستهلاكية.
وكانت القوات الجزائرية قد تدخلت بعنف لإخماد نيران المظاهرات التي اتسمت بأعمال الشغب وإضرام النيران وقامت باعتقالات في صفوف المتظاهرين من السكان الجزائريين الذي يعيش أغلبهم من التجارة الحدودية…، في الوقت الذي أهدر لنظام العسكري أكثر من 1000 مليار دولار من عائدات البترول والغازل لدعم المرتزقة الانفصاليين ضد المغرب، لإشباع أمراض الحقد والكراهية والغل بدل صرفها على الشعب الجزائري.
إن الجزائر “الشقيقة” تتذرع وراء يافطة محاربة التهريب في اتجاه المغرب والمخدرات منه في اتجاه الجزائر، مقتنعة أن بترولها يغذي سيارات الجهة الشرقية ويحرك اقتصادها وهي مزاعم واهية بحكم أن في ذلك خسارة لاقتصاد المغرب في الوقت الذي لا تحارب تهريب عشرات الآلاف من الأقراص الطبية المهلوسة “القرقوبي” التي تغرق الأسواق المغربية.
إن الجزائر لا تحارب الهجرة السرية الإفريقية عبر أراضيها والمتجهة نحو مدن المغرب الشمالية والمتواجدين بالآلاف على أراضيها وخلقوا قرى بمدينة مغنية الجزائرية على بعد 20 كيلومترا من مدينة وجدة بل يساعدونهم على الوصول إلى الشريط الحدودي.
إن الجزائر لم تجرؤ عن الحديث عن آلاف الأطنان من المواد الأساسية والحيوية التي كانت تعبر يوميا الحدود المغربية الجزائرية في اتجاه الأسواق الجزائرية التي تشكو من الخصاص الكبير والمقلق…ويعلم الأشقاء الجزائريون طعم البطاطس المغربية وعصير برتقاله ونكهة التوت أرضه…إن التهريب في اتجاه الجزائر يمس كذلك الاقتصاد المغربي ويتضرر منه المواطنون وخاصة سكان الجهة الشرقية بحكم أن مواد أساسية تعرف وجهتها إلى الأسواق الجزائرية من أنواع الخضر من الطماطم والفلفل…والفواكه من برتقال وليمون وبطيخ…والقطاني والملابس والأحذية والتوابل والأغنام التي تقدر بملايين الدراهم…
لقد بنيت الجدران ورفعت الأسيجة الحدودية بين البلدين الشقيقين وانقطع التهريب وارتفع الوجع وارتاح المغرب من تكرار أسطوانة التهريب وتفرغ مواطنو الجهة الشرقية إلى أشغالهم ولم تتوقف سياراتهم ولا محركات أجهزتهم ولا نفذ النفط والكزوال…
لقد انتفض الشعب الجزائري ودخل في حراك سلمي، منذ اكثر من سنة ولا زال نفسه طويلا، لم يسبق أن شهد مثله التاريخ، واستطاع أن يطيح بعدد من كبار المسؤولين الجزائريين في أعلى هرم السلطة وعلى ٍرأسهم الرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة وعدد من عناصر العصابة التي كانت تدور في فلكه، لكن لا زال ما تبقى من رؤوس العصابة يتحكم في الوضع ويدير دواليب الحكم، مما حذا بالحراك إلى ترديد شعارات واضحة وقوية تطالب بالتغيير الجذري ورحيل كلّ رؤوس العصابة وأذنابها “يتنحاو قاع” و”دولة مدنية وليست عسكرية” و” كورونا ولا نتوما…” و”انتما كورونا انتما تسرقونا”…
أملنا أن يتحلى المسؤولون الجزائريون بقليل من الحكمة والرشاد والقبول بالجلوس إلى طاولة الحوار البناء بين ممثلين للشعبين الشقيقين لاستشراف المستقبل المشترك والمحتوم، وذلك لما فيه خير للأجيال القادمة التي لا محيد لها عن العيش في أمن وأمان وخير ورخاء، حيث كل مقومات ذلك مضمونة توفيرها في توحيد بلديها الغنيين بكل ما جادت به الموارد الطبيعية المغاربية والرأسمال البشري…