بقلم الأستاذ عبد السلام الصديقي
مشروع قانون المالية لسنة 2022
في أقل من شهر، بعد إجراء الانتخابات التشريعية ليوم 8 شتنبر، سنتعرف على رئيس الحكومة المعيّن لتكوين فريقه. وفي انتظار هذا الحدث، لم تتوقف الحكومة الحالية عن عملها. وهكذا، من أجل إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2022 ووضعه أمام مكتب البرلمان القادم قبل 20 أكتوبر، وجه رئيس الحكومة، كالعادة، مذكرة لأعضاء الحكومة، يدعوهم فيها إلى تقديم مقترحاتهم على أساس التوجهات المحددة في المذكرة المعنية. وقد يتساءل البعض كيف لحكومة في نهاية ولايتها أن تمنح لنفسها مثل هذه السلطة التي بموجبها تلزم الفريق الجديد الذي سيباشر تدبير الشؤون العامة بعد الانتخابات. تساؤل وجيه مبدئيا، ولكن بالنظر إلى المقتضيات الدستورية وما يقتضيه مبدأ استمرارية مصالح الدولة فإن هذه الطريقة تعتبر مفهومة. وينبغي التذكير أنه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها هذه الممارسة، ويكفي أن نتذكر بكون حكومة بنكيران قامت سنة 2016 بنفس الشيء. وكلما تداخلت الأجندة الانتخابية بالأجندة الميزنياتية، إلا واضطرت الحكومة إلى اتخاذ هذا الإجراء. ذلك أن الحكومة القادمة ليس أمامها متسع من الوقت لإعداد مشروع قانون المالية والذي لا يمكن تقديمه في جميع الحالات إلا بعد نيل ثقة البرلمان على أساس التصويت بالأغلبية لصالح التصريح الحكومي.
وعليه، فبشروعها في إعداد مشروع الميزانية، مع شيء من التأخير، لن تعمل الحكومة إلا على ممارسة اختصاصاتها الدستورية. وللحكومة القادمة كامل الحرية في مراجعة النسخة الأصلية إما قبل المصادقة عليها من قبل البرلمان، أو إن اقتضى الحال، باللجوء إلى قانون مالي تعديلي. ودون الخوض في ما سيحدث مستقبلا، سنكتفي هنا بتحليل محتوى المذكرة التوجيهية والسياق العام الذي أعدت فيه. وهكذا فالسياق العام مطبوع بحدثين أساسيين وهما محدَّدان في الأولويات الأساسية لمشروع قانون المالية المقبل.
أولا، هناك استمرارية الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. حيث أبانت هذه الأزمة على ضرورة مراجعة بعض الخيارات والأولويات على مستوى السياسات العمومية والتركيز على الخدمات المشتركة وتثمين الرأسمال البشري. كما أن نشر التقرير المتعلق بالنموذج التنموي الجديد والحوار الذي صاحبه من أوله إلى آخره، فرض تغيير المسار من خلال أجرأة التدابير والتوصيات الأساسية المتضمنة في التقرير، والتي حظيت بالمباركة الملكية، وتم تضمينها في “الميثاق الوطني من أجل التنمية” كما تم إعداده في استشارة مع الأحزاب الممثلة في البرلمان. كل هذا يضفي على التقرير مشروعية ومصداقية لا ينازع فيهما أحد. وهكذا، تنبثق أولويات البلاد خلال السنوات القادمة بالضرورة من هذا السياق المزدوج، كما تنهل من الخطب الأخيرة للملك التي يدعو فيها إلى التغيير.
و بخصوص أولويات مشروع قانون المالية فهي أربعة:
- أولا، توطيد أسس إنعاش الاقتصاد الوطني
- ثانيا، تعزيز آليات الإدماج والتقدم في تعميم التغطية الاجتماعية
- ثالثا، تقوية الرأسمال البشري
- رابعا، إصلاح القطاع العام وتعزيز آليات الحكامة
كل واحدة من هذه الأولويات تم التعبير عنها في شكل تدابير وإصلاحات. ففي الجانب المتعلق بالإنعاش، تم اقتراح أجرأة صندوق محمد السادس للاستثمار، ودعم المقاولة الصغرى والمتوسطة، ووضع نظام جبائي مبسط وتحفيزي، وإقرار الميثاق الجديد للاستثمار، وتطبيق القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي وخريطة الطريق حول التكوين المهني. وعلى مستوى تعميم الحماية الاجتماعية والإدماج، تنص المذكرة التوجيهية على تعبئة غلاف مالي يقدر بـ 8,4 مليار درهم، وتسريع أجرأة السجل الاجتماعي الموحد، ومباشرة إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة وتدعيم مساهمة النساء في كل المجالات، والنهوض بالتنوع الثقافي.أما بخصوص تثمين الموارد البشرية، فقد تم التركيز بالخصوص على مواصلة أجرأة القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين من خلال تعميم التعليم الأولي وتحسين جودة تعليمنا من جهة، وعلى الإصلاح العميق لمنظومتنا الصحية الوطنية من خلال تأهيل العرض الصحي وتثمين الموارد البشرية ومراجعة السياسة الدوائية ودعم الإنتاج الوطني من جهة أخرى. وأخيرا على مستوى إصلاح القطاع العام وتحسين الحكامة تتعلق التدابير المقترحة بأجرأة القانون الإطار المتعلق بإصلاح المرافق العمومية، والتسريع بالإصلاح الإداري مع تبسيط أكثر للمساطر، وتطوير الرقمنة وتنشيط اللاتمركز، وعقلنة المصالح الاقتصادية المسيرة بصفة مستقلة””SEGMAوالحسابات الخصوصية للخزينة، وإصلاح منظومة العدالة…
هكذا يتضح أن هذه الأولويات تندرج في انسجام مع انتظارات المواطنين والنموذج التنموي الجديد. حيث نجد توازناً كاملاً بين التدابير المتعلقة بتحفيز الاستثمار، وتلك المرتبطة بتحسن مستوى معيشة المغاربة. فنحن إذن أمام حكومة أدركت أخيراً ما يحتاجه المغرب في الأيام الأخيرة من ولايتها.ولها على الأقل هذا “الفضل” بعدما فشلت تقريبا على جميع المستويات خلال ممارستها للشأن العام.ويمكن القول أن المغرب دخل مع مشروع قانون المالية لسنة 2022، في مرحلة جديدة. مرحلة يمكن وصفها، ولو بحذر، بما “بعد النيو-ليبرالية”. فالنوايا في طي صفحة النيو-ليبرالية، التي أضرت بنا كثيرا، تعتبر حقيقية. ويبقى علينا أن نعرف كيف سيتم ترجمة الأمر على أرض الواقع وما الذي يجب أن يقدمه كل فاعل. فمادام لا يمكن لنا صنع الجديد بإعادة تدوير القديم، فإن بلادنا في حاجة إلى تغيير في السياسة بالاعتماد على كفاءات جديدة قادرة على حمل الإصلاحات المنتظرة وقيادة التدابير الموضوعة، إذ لا يكفي التنصيص على تدابير جيدة ووضع خطط براقة، بقدر ما ينبغي الحرص على أجرأتها والتحلي بكامل الشجاعة في مواجهة مناهضي التغيير على أرض الواقع. وهنا يكمن الرهان الأساسي للاستحقاقات القادمة. ستكون لدينا الإجابة عشية يوم الاقتراع. وتفادياً لكل خيبة أمل، علينا أن نتوجه بكثافة صوب صناديق الاقتراع حتى نستفيد من هذه الفرصة التاريخية الممنوحة لنا.
المصدر: بيان اليوم