عبد الحميد جماهري
قبل أي متابعة للسعار الجزائري في التعامل مع تصريحات عمر هلال، ومع الوثيقة التي توصلت بها دول عدم الانحياز، وبعيدا عن المساجلة، لا بد من الحسم من الآن، أن أقصى ما قد يطالب به المغرب في قضية ”القبايل”، هي حكم ذاتي تحت السيادة الجزائرية!
إذن لا خوف في الجزائر من مسعى المغرب، فهو لن يساند إلا ما يطلبه لنفسه، ولشعبه، ولما يحقق الانسجام الأخلاقي الديبلوماسي…، وقد يستمر إنضاج هذا المقترح خمسين عاما.. ونحن سنقلد الجزائر في تاريخها الديبلوماسي معنا، فقط!
إذن لتضع الجزائر يدها في الثلج ولتنظر إلى الأمر من زاوية توازي الأشكال السياسية والجيواستراتيجية في الصراع!
لا أحد… ولا شيء، خارج الوازع الأخلاقي يمنع المغرب من المعاملة بالمثل في قضاياه الحيوية.. غير أنه إذا كنا نؤمن بأن السياسة أخلاق
فإننا ندرك ونعي أيضا بأن الأخلاق وحدها لا تصنع السياسة،… كما قال اندري مالرو الدوغولي. خاصة والجزائر تضع مبدأ المعاملة بالمثل في عمق سياستها الخارجية، وتصر بأنها الدولة الوحيدة في شمال إفريقيا وعند العرب التي تضع مبدأ المعاملة بالمثل في مرتبة سيادية..
فعليها إذن أن تفهم خطوة المغرب، بروح حربية رياضية!
هل نحلم؟ لماذا لا …إذا كان الواقع هو أفضل حلم نقدمه للجنرالات. فقد اكتشفت المنظومة العسكرية هكذا، فجأة، قاموس الجوار الحسن
وهكذا فجأة أصيبت في متانة العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين.. واقترفت القاموس الدبلوماسي للمغرب للرد على المغرب بعد أن نسيت اليد الممدودة، ونسيت الكفاح المشترك في الفعل الميداني!
أما بخصوص المطالبة بتوضيح الموقف الذي طالبت به الخارجية الجزائرية، فأنا أمزح 50%( خمسين في المئة) فقط عندما أقول بأن المغرب ليس مطالبا بأي توضيح. وعليه أن ينتظر مرور 46 سنة، عمر قضية المعاداة لحقنا في وحدتنا الترابية، لكي يقول نفس الكلام الذي يقوله الجزائريون اليوم: ليست لنا مصلحة في النزاع، بل نحن نسند شعبا يخوض معركة تقرير مصيره!
نعرف أن خطوة المغرب أكبر بكثير مما توقعنا، وأكبر بكثير مما توقعوا في قصر المرادية، لكنهم ذهبوا أبعد مما نتصور في الأحقاد، عندما اعتبروا في مجلة ”الجيش” أن المغاربة خانوا الأمير عبد القادر وهم الذين غدروا بيوغارطا منذ 2181 …..!
وبمسايرة هذا العبث، والرجوع وراء في الزمن سنكون بمنطق أننا متهمون بقتل ربع البشرية (كانت تضم آدم عليه السلام وأمنا حواء والأخوين معا)..
وللتذكير، فقد كتب الفقير إلى رحمة ربه:
يبدو أن المغرب بدأ يعيد تقدير موازين القوى لكل ما يقع حوله، ولعل القراءة الوافية تفترض أن نستحضر:
أولا– أنه لم يعد يرى أن من المحرم عليه (طابوهات ) أن يجاهر بمواقف الندية عندما يتعلق الأمر بالقوى العظمى، كما فعل مع ألمانيا وإسبانيا، وقبلهما فرنسا وأمريكا باراك أوباما..
وهو ما كان يثير الفزع في أوساط واسعة من الرأي العام، وإن لم تسلم به إلا بعد أن أثبت أن الدول المعنية أعادت الكثير من مسلماتها على ضوء مواقفه.
ما كان له أن يستمر في الصمت وتحمل النفاق الدولي المناهض له، ازدواجية دولية أصبحت مسلمة من مسلمات العلاقة مع المغرب.
ثانيا– أعاد ترتيب العلاقات مع دول كان التاريخ الدبلوماسي بيننا يفترض منا العداء الكبير تجاهها، وهو ما تم من كوبا إلى نيجيريا مرورا بدول إفريقية عديدة كانت تناهضنا.
ثالثا– إعادة ترتيب الشراكات الاستراتيجية بناء على المصالح وبمنطق الدول نفسها التي تتصرف بناء على مصالحها.
وقد تغيرت المعادلة مع شراكات الصين وروسيا بالرغم من التحالف الوطيد والعميق والقوي مع أمريكا.
رابعا– لم يعد المغرب يقبل أن يكون ضحية أخلاقياته، وأكثر من هذا أن تجرب فيه كل المواقف والقواميس، بكل ما تحمله من عبث ونفاق وعدوانية، من قبيل الانفصال والاحتلال، الوحدة والتفتيت، كما هو الحال اليوم مع الجزائر…
عندما نقول بهذه الملاحظات، فنحن لا نسير في اتجاه دعم الانفصال في دولة الجيران، بل نقول إن أحد قواعد السياسة في الأخلاق وقواعد الأخلاق في السياسة هي ألا تدفع خصمك إلى …اليأس منك!
القادم من الأيام سيعطي لكل هذه التغيرات الجوهرية حجمها الحقيقي.