عبد القادر كتــرة
تحتفي مدينة وجدة الألفية بالذكرى 90 لإنشاء حديقة غناء، إبان فترة الحماية الفرنسية، أطلق عليها في بداية افتتاحها “حديقة روني ميتر” ( Parc René Maître) أسم مهندس المشروع الذي انطلقت أشغاله سنة 1932 وانتهت سنة 1935، مدخلها باب/رمز للأخوة يُجسِّده عناق شَكلُ زرافتين من تصميم المهندس الفرنسي إسباني الأصل “لويس غوميز” (Louis Gomez).
مدينة وجدة، عاصمة زيري بن عطية المغراوي، كانت إلى عهد قريب جنة فيحاء تحتل بساتينها الغناء وحدائقها الشماء مساحات كبيرة من محيطها وتغطي ضيعاتها أركانها ويتدفق ماؤها من عيون واحة سيدي يحيى إلى أن يصل، عبر السواقي، إلى وسطها فكانت بذلك تستهوي الزائرين وتسُرُّ الناظرين.
وأخذت المدينة تتوسع مع بداية الاستعمار الفرنسي واستأثر الفرنسيون بقطع أرضية شيدوا فوقها فيلاتهم وأجهزوا على الضيعات لكن للمحافظة على المجال الحضري والتوازن البيئي لتعويض جزء من البساتين التي كانت تشكل رئة حقيقية لمدينة وجدة، أنشأوا حديقة لالة عائشة ( Parc René Maître) سابقا خارج أسوار المدينة العتيقة على بعد كيلومترين إلى الجنوب الغربي منها على طول الطريق المؤدية إلى المقسم.
وشيدت هذه الحديقة سنة 1932على مساحة 20 هكتارا تقريبا وهي كانت بذلك تعد أكبر مساحة خضراء بمدينة مغربية ويقال إفريقية وأهم منتزه بها، وقد تزامن بناؤها مع الفترة التي أخذت فيها مدينة وجدة تعرف توسعا عمرانيا حديثا منذ بداية العشرينات، وتعتبر من أقدم الحدائق في المغرب، بل هناك من يجزم بأنها من أقدم الحدائق في إفريقيا وأكبرها.
لا بدّ من التذكير، بأن محمد مهيدية والي جهة الشرق، عامل عمالة وجدة أنكاد السابق اهتم بالمناطق الخضراء لما لها من أهمية في الجهة الشرقية التي تصنف في خانة المناطق الشبه الصحراوية والتي تفتقر إلى فضاءات خضراء وبيئة مناسبة وحدائق لتمكين الساكنة من استغلالها والخروج، خلال أيام العطل والراحة، للتنفيس والترويح وتغيير الأجواء.
وفي إطار استراتيجية رهان إيكولوجي مهم رفعته مدينة وجدة الألفية، اكتست عروس الشرق حلتها الخضراء، عبر تحقيق مجموعة من المشاريع التي تندرج في إطار رؤية وجدة 2020، والتي مكنت المدينة من التوفر على حزام أخضر من أجل تلطيف وملائمة الجو الذي تعرفه المنطقة، وكذا الحد من الآثار السلبية للتلوث، وتوفير فضاءات للراحة والترفيه لفائدة الساكنة.
مشروع المنتزه الترفيهي تحفة أنجز، خلال الفترة الممتدة بين 2016 و 2017 ، شيدت شمال مدينة وجدة بالقرب من القطب التكنولوجي بتكلفة تقدر بـ 63.4 مليون درهم، وهو عبارة عن فضاء عائلي بامتياز للنزهة وممارسة الأنشطة الرياضية، حيث يحتوي على أزيد من ثلاثة هكتارات من الأراضي المعشوشبة، وحوالي 13000 شجرة مختلفة الأنواع، وثلاثة نافورات، ومنظومة خاصة للإضاءة على طول 8 كلم على امتداد الممرات والمسالك والتي تستجيب للمعايير الخاصة باحترام البيئة، ومرآب للسيارات فوق مساحة تقدر بـ 11200 متر مربع، بالإضافة إلى التجهيزات الخاصة بالسقي تتكون من باستعمال نظام السقي عن طريق التنقيط، وقناة لجلب المياه المعالجة انطلاقا من محطة التطهير على بعد 4.9 كلم، ومحطة لضخ المياه، وحوض للتخزين، ووحدة لتصفية و تعقيم المياه.
هذا المنتزه هو الأول على مستوى جهة الشرق الذي اعتمد مصادر مياه غير تقليدية في السقي، فقربه من محطة معالجة المياه العادمة لمدينة وجدة ستمكنه من الاستفادة من المياه المعالجة، وذلك في إطار المقاربة الاستراتيجية المعتمدة للاقتصاد في الموارد المائية وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة في السقي.
محمد مهيدية والي جهة الشرق، عامل عمالة وجدة أنكاد السابق، واكب المشروع الذي هو من اقتراحه إلى حين إخراجه إلى الوجود، بدءا بدراسة دقيقة للأماكن التي أقيمت عليها هذه الفضاءات الخضراء، وذلك قبل اختيار الهندسة الجمالية والأغراس المناسبة، مع مراعاة رهانات وخصائص المدينة في المعادلة بين التوسع والعجز في الموارد المائية، كما روعي في التجهيزات التي أثثت هذه الفضاءات مبدأ الجودة والجمالية، لأجل توفير أجواء الراحة للزائرين .