عبد القادر بوراص
“إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها وحتى الحوتة في جوف البحر، ليصلون على معلم الناس الخير”، هكذا كرم رسولنا الصادق الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المعلم.. حديث نبوي شريف له أكثر من دلالة تضمنته كلمة الأستاذ محمد المجدوب، مدير مدرسة الخنساء العمومية بمدينة وجدة، في حفل تكريم نخبة من الأستاذات والأساتذة الذين أحيلوا على التقاعد، يوم السبت 25 يونيو 2022، بعد أن حملوا رسالة التربية والتعليم والتكوين السامية المرتبطة بتربية الأجيال، وهي رسالة نبيلة حملها خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مضيفا أن الأستاذ كان ولا زال مربيا يقود الجاهل، ويهدي الضال، وينير الطريق لكل من التجأ إليه، فهو كالمنارة على رأسها نور وضياء، يراه كل من فقد الطريق فيهتدي به وينتفع بنوره، فالمعلم، يقول ذ. المجدوب، يتخرج على يديه العاملون بمختلف المهن في المجتمع، وهؤلاء المتخرجون كانوا أغراسا تعهدها المعلم بعناية فائقة وأعطت ثمارها يانعة ناضجة من المعرفة والعلم والفضل.
واعتبر الأستاذ محمد المجدوب هذا الحفل التكريمي الرمزي العميق في دلالته تقليدا دأبت هاته المؤسسة على تنظيمه، يكون فيه الاحتفاء بأهل الفضل والعرفان في حق السابقين واجبا لا مناص من تأديته، ونهجا لا بد من مواصلته وترسيخه، دون أن يفوته تقديم الشكر لكل من ساهم من قريب أو بعيد في تنظيم وإنجاح هذا المبادرة الإنسانية النبيلة.
وفي كلمة مؤثرة، تأسف عبد العزيز الجبلي، رئيس جمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بمدرسة الخنساء وعضو المجلس الإداري بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الشرق، على عدم المبالاة بنساء ورجال التعليم في نهاية مشوارهم الوظيفي، مشيدا في الوقت ذاته بما يقدمونه من خدمات جليلة للوطن، وبالمسؤولية الجسيمة التي يتحملونها في سبيل تربية وتعليم أبناء هذا الوطن، ومشددا على أن التعليم هو شأن مجتمعي، ولا يخص قطاعا دون آخر، وهذا ما جعل أمير المؤمنين يجعل قضية التعليم في المرتبة الثانية بعد القضية الوطنية الأولى، لكون التعليم هو أساس التنمية.
وجدد ذات المتحدث التحية والتقدير للأطر المحالة على التقاعد، مؤكدا أن كل من مارس مهمة التعليم لا يمكن أن يحال على المعاش، لأنه نبض للمعرفة وخزان للمعلومات والتربية، والتربية غير مرتبطة فقط بالمدرسة، بل هي أشد ارتباطا بالمجتمع أيضا، ملتمسا من هؤلاء المتقاعدين الاستمرار في ممارسة فعل التربية، لأن التربية هي مستقبل هذا الوطن، ومد يد المساعدة لمدرسة الخنساء لأنها بحاجة إليهم.
ومن جهته، عبر الأستاذ علي الطفوري، عضو الجمعية المغربية للتعليم الأصيل الجديد بالجهة الشرقية، ومدير سابق لمدرسة الخنساء وأحد شركائها الفاعلين، عن سعادته لحضور هذه اللحظة المهمة، لحظة تكريم نساء ورجال التعليم بعد قضائهم عقودا من الزمن في تأدية رسالة نبيلة، هي رسالة التربية والتكوين، وهي رسالة، يضيف الأستاذ علي، مرتبطة بتربية الأجيال، معتبرا إياها مهمة جسيمة لا يعرف أهميتها وقدرها إلا من مارسها.
وأضاف الناشط الجمعوي المتميز الأستاذ الطفوري أن هذه اللحظة مهمة جدا، لأنها لحظة نستشعر فيها دفء العلاقات الإنسانية وحرارة الواجب نحو هذه الطاقات التي خطت صفحات خالدة في حياة الأجيال المتلاحقة وطبعت بطابعها الخاص مسار حياتهم. كما اعتبر هذا الاحتفال لحظة لتجديد الصلة والتواصل مع أطر خدمت المدرسة العمومية، وتخرجت على أيديهم أجيال وأجيال، وهي وقفة للاعتراف بالجميل والتأسيس لثقافة الاعتراف، وهو الأمر الذي يستوجب نوعا من التضحية ونكران الذات والانفتاح على مجهود واجتهاد الغير كمدخل لتوطيد أواصر المحبة بين الأطر المنتمية لهذا الحقل.
وكان الحضور النخبوي الذي امتلأت به جنبات قاعة الأنشطة بالمؤسسة حتى ضاقت بعددهم رغم رحابتها مع شريط تم فيه استحضار التضحيات الجسام التي قدمها هؤلاء الأساتذة المحتفى بهم طيلة مسارهم المهني، وإقرار بحجم أدائهم الوظيفي، قبل أن يدلي مجموعة من النشطاء الجمعويين والأطر التربوية والإدارية بشهادات في حق المكرمين نوهوا فيها بإخلاصهم وتفانيهم في عملهم، وهنأوهم بإنهاء مشوارهم المهني بسلام، بعد أن أفنوا زهرة العمر في خدمة الأجيال وإعدادها لخدمة الوطن.
كما تخللت هذا الحفل البهيج مجموعة من الفقرات الفنية الهادفة عبارة عن مجموعة أناشيد أجادت تلميذات هاته المؤسسة النموذجية في إبداعها، تتغنى كلها بالمعلم ودوره التربوي والتعليمي الكبيرين في مسار حياة كل إنسان.
وتوجت فعاليات هذا الحفل الناجح بامتياز بتوزيع شهادات تقدير واحترام وهدايا رمزية على الأستاذات والأساتذة المحالين على التقاعد عربونا وامتنانا لخدماتهم التي قدموها طيلة فترة عملهم داخل الفصول الدراسية، تسلموها وسط عاصفة مدوية من التصفيقات قبل أن تتفجر ينابيع متدفقة من الزغاريد…