عبد القادر كتــرة
سبق أن نشرنا مقالا بعنوان “تِيهُ الجزائر: تُصدِّر الكهرباء لا تُصدِّر ، تُعوِّض غاز روسيا لا تعُوِّض، حدَّدتْ تاريخ قِمَّة الجامعة العربية لم تُحدِّدْ..”، واستهْلَلْناه بمقدِّمة تقول :”تاه جنرالات النظام الجزائري العسكري وأذنابه من المسؤولين بقصر المرادية ورؤساء المؤسسات في صحراء من التصريحات ونقيضها، في بيانات وضدها وبلاغات وعكسها، وأقوال وتفاهاتها، ونجحوا في جمع الأضداد، والتأكيدات ونَفْيِها، دون خجل أو حشمة، نتج عنه فقدان مصداقية الدولة الجزائرية ومؤسساتها، ونالت عن جدارة واستقلال لقب “دولة غير موثوق بها”.
لم نكن نعتقد، ولو كنا مقتنعين بما سبق، أن يصل الحّ إلى هذا التفكير العبثي واللا منطقي، حيث نجح النظام العسكري في جمع النَّقيضيْن والضِّديْن في جملة واحدة، ولعلماء الاقتصاد وللقارئ واسع النظر في الحكم بعد البحث عن فهم المغزى، مع العلم أن هذا الجمع كسّر قاعدة المناطقة الذين يُجمِعون على أن “الضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان معا”.
قاعدة النظام العسكري الجزائري الذي تَعوَّد على الكذب والبهتان والتلفيق والتزوير والتحوير والتشويه لكلّ شيء وموقف ومشهد ومؤتمر واجتماع وبيان وبلاغ وتصريحات وشهادات و…و…، إلى ان التبس عليه الأمر وفقدَ العقل والمنطق إلى درجة الحمق والهبل، ولا يضيره أن يقول الشيء ونقيضه ويجمع الفكرة وضدها وبين الإخفاق والنجاح، بحيث يمكن أن يكون يحقق في آن واحد “الصعود والنزول” و”الصيام والأكل” و”الجوع والشبع” و”الحرب والسلم” و”الضحك والبكاء” و”النجاح والفشل” و”العزلة والشهرة” و”العلم والجهل” ….
عنونت وكالة الأخبار الجزائرية الرسمية بيانا ب”منتجات استهلاكية: الرئيس تبون يأمر بمنع تصدير كل ما تستورده الجزائر”، تناقلته جميع مزابل الإعلام الجزائرية وقنوات صرفه الصحي، ومجّده أشباه الصحافيين “الشياتة ” مُلمّعو أحدية جنرالات ثكنة بن عكنون ومسؤوليهم بقصر المرادية بالجزائر العاصمة، الذين يبتلعون كلّ ما يتقيَّؤُه النظام العسكري الجزائري ويروجون له للاستهلاك المحلي ونجحوا في تدجين فئات عريضة من الشعب الجزائري .
وجاء في البيان: “أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه اليوم الأحد13 مارس 2022، بمنع تصدير كل المنتجات الاستهلاكية التي تستوردها الجزائر.
بيان رئاسة الجمهورية أشار إلى “أن الرئيس تبون بعد استماعه لعرض مشترك لوزيري الفلاحة والتجارة حول وفرة المواد الاستراتيجية, “أمر بمنع تصدير كل ما تستورده الجزائر، من منتجات استهلاكية كالسكر والعجائن والزيت والسميد وكل مشتقات القمح”.
وفي نفس السياق، كلف الرئيس تبون، وزير العدل “بإعداد مشروع قانون يجرم تصدير المواد غير المنتجة محليا, باعتباره عملا تخريبيا, للاقتصاد الوطني”، كما أمر بمواصلة منع استيراد اللحوم المجمدة “منعا باتا”, وتشجيع استهلاك اللحوم المنتجة محليا.
وفضلا عن ذلك، أمر رئيس الجمهورية بتشجيع الفلاحين الممونين للمخزون الاستراتيجي للدولة، من القمح الصلب واللين والحبوب الجافة، بتحفيزات متنوعة، منها الدعم بالقروض والأسمدة ومزايا أخرى، يضيف البيان.
للتذكير أن ما تعلمناه عن النقيضين والضدين :”فالنقيضان لا يجتمعان مع بعضهما في نفس المحل والزمان، ولا يرتفعان كلاهما، مثالهما “الوجود” و “اللاَّ وجود” فهما نقيضان لا يجتمعان في شيء، فلا يصح للشيء الواحد أن يكون موجودا ولا موجود في نفس الوقت، ولا يرتفعان فلا بد لأن يكون أحدهما، فإما أن يكون موجودا وإما لا، ولا يمكن أن يكون هناك شيء ثالث.
أما الضدان فإنهما لا يجتمعان في نفس المكان والزمان، لكنهما قد يرتفعان عن الشيء. مثالهما “السواد” و “البياض” فالشيء الواحد في الزمان الواحد لا يمكن أن يجتمع فيه الضدين فيكون أسودا أبيضا في نفس الوقت، لكن قد يرتفع عنه السواد والبياض معا، فيكون أحمرا أو أزرقا …”.
ما معنى لله في خلقه شؤون معنى
وفي الأخير، تذكَّرت الآية الكريمة “ولله في خلقه شؤون” وبحثت عن بعض الاستدلال بها فوجدت فقرة من مقال يشير إلى أن “عندما نشعر أن هناك أناسا الأنعام أفضل منهم في تصرفاتهم فعلينا ألا نسلِّمهم أي مسؤولية تعود على المسؤول الأول بالمكان الذي يعملون به أو الجهة التي يعملون بها بالسمعة السيئة والضرر الذي لا حدود له، وهذه مسؤولية العقلاء منا. ولأن الله كما قال، خلقهم حطبا لجهنم وحتى يُضرم نار جهنم بهم، ولا اعتراض على أمر الله في أن خلقهم كذلك لأنه يقول في كتابه ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (الأنبياء: 23))، ولهذا نقول في كثيراً من المواقف التي لا تَسُرُّ البال من تصرفات بعض الناس “ولله في خلقه شؤون”.