بقلم عبد الحفيظ حساني
إنها ظاهرة مرضية تصيب الحركة النقابية، أنا لا أتكلم عن إطار محدد أو نقابة معينة، فقد تكون نقابة تحمل الاسم التجاري لإحدى المركزيات النقابية… كما أنه ليس بالضرورة أن تتوفر على مكتب نقابي أو وصل إيداع قانوني، وليس بالضرورة أن تخوض الأشكال النضالية…
المهم أن يكون “صاحب النقابة” راضيا عليك ليتوسط لك مع “السيد الرئيس” لقضاء حاجتك، سواء كنت صاحب حق أو لم تكن كذلك، وسواء كانت حاجتك مادية أو بيولوجية…
بعبارة هجينة ونذلاء: “هذاك راه ديالنا”، فيحظى طلبك بالقبول ولو على المستوى الشفهي…
نقابة السيد الرئيس هي نقابة لا تدعو إلى الاضراب، بل تدعو إلى الحضور باكرا صبيحة يوم الا٦ضراب الذي دعت إليه النقابات “المعادية”. تلك النقابات التي تغضب ولي النعمة وتعكر مزاجه، وتفقده أعصابه، وتطالبه بالاستجابة للملفات المطلبية… فهذا النوع من السادة الرؤساء غالبا ما يفضلون التعامل مع هذا النوع الهجين من “النقابات ” بسبب عدائهم الدفين للعمل النقابي الجاد، ولأنه يحقق لهم تألقهم في توسيع قاعدة السخرة ونشوتهم المصطنعة بالإحساس بالولاء…
“مناضلو” نقابة السيد الرئيس “المجمجمون” يحضرون جميعهم باكرا صباح يوم الإضراب لتكسيره، وتأكيد توقيع لوائح الحضور والغياب. وهم غير ملزمين بالحضور للعمل ما عدا أيام الإضراب.
صاحب نقابة السيد الرئيس يترشح لجميع المناصب والمسؤوليات، في جميع الانتخابات التي تجرى على وجه البسيطة، في البر والجو و البحر، وحتى في المياه العادمة والمياه الإقليمية… هو المرشح الوحيد والدائم والأبدي والأزلي… ويستفيد من جميع الامتيازات وبجميع التعويضات الخيالية….
نقابة السيد الرئيس ليس بالضرورة أن تتوفر على مقر، ولا تدعو إلى الاجتماعات التنظيمية. صاحبها هو صاحب الحل والعقد، وهو الذي يحمل العلبة السوداء ويتحمل جميع المسؤوليات… ويتأبط جميع الملفات النقابية. هو الكاتب والأمين والمقرر و دالمستشار، وهو الذي تسري في حقه مقولة “…. قوم تقضى على أيديهم حوائج الناس”….
نقابة السيد الرئيس من كثرة حبها ودفاعها على الناس، وعشقها ل “البزولة”، يبقى بعض أعضاء مكاتبها يستفيدون من الريع طوال حياتهم، ويستمرون في عملهم رغم توصلهم بمعاشات التقاعد، متشبتين بمناصبهم في أكبر عملية ريع نقابي مفضوحة، تستدعي تحقيق مجالس الحسابات واستنكار كل الجماهير المعطلة والأصوات التقدمية وعموم المواطنين والساكنة.
والخلاصة، وبدون إطالة، نقابة السيد الرئيس تدافع على الريع وتستفيد منه، وتعرف مكاتبها من أين تؤكل “الكتف”.
أؤكد للقراء والمتتبعين الأعزاء وكل المهتمين بالعمل النقابي الجاد، أنه بهاته المقالة أحاول تسليط الضوء على حقيقة الوضع في مجموعة من القطاعات والإطارات. “نقابة السيد الرئيس” ظاهرة يتم تشجيعها في العديد من المواقع والإدارات للتغطية على الفساد وتدمير العمل النقابي المكافح. هي ظاهرة تلخص جزءا كبيرا من الأزمة الذاتية التي تعيشها عموم مكونات الحركة النقابية، والتي تفرض علينا كمناضلين التصدي لها بالمكاشفة والفضح أولا، والعمل على ترسيخ قيم العمل النقابي المكافح ثانيا.
لقد تم تشويه وتمييع العمل النقابي في العديد من المواقع. هكذا أصبح العمل النقابي لصيق بتهمة الارتزاق وقضاء المصالح الشخصية. وتشجيع هذه الميوعة يأتي في سياق مخطط طبقي وسياسة ممنهجة للقضاء على النقابات وضرب مصداقيتها، وتمرير قانون تكبيل الإضراب… وكل ذلك لتمهيد الطريق للإجهاز والمزيد من الإحهاز على الحقوق والمكتسبات…
علينا كمناضلين نقابيين وضع القطار على سكته الصحيحة، والحسم مع الممارسات المشبوهة، وإذكاء دور النقابات في تعميق الوعي الطبقي للدفاع عن حقوق ومكتسبات عموم الشغيلة والطبقة العاملة، والحرص على احترام المبادئ السامية التي بني عليها العمل النقابي الجماهيري المكافح في أفق تحقيق بناء وحدة الطبقة العاملة، وفي مقدمتها الديموقراطية والاستقلالية عن الحكومة والباطرونا والأحزاب السياسية.
نريد نقابة قوية ترفع صوت الشغيلة بلسان مناضلين شرفاء، وليس نقابة تخدم مصلحة “أصحابها” وأجندة الدكاكين السياسية والرؤساء.