نظم مؤخرا المركز المغربي للدراسات والإعلام في القضايا الأسرية، بشراكة مع كل من مختبر مناهج العلوم في الحضارة الإسلامية وتجديد التراث، ومختبر الدراسات المقاصدية وقضايا الاجتهاد والتجديد، التابعين لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الأول بوجدة، ندوة دولية تحت عنوان: “قضايا الأسرة المسلمة المعاصرة وسؤال الاجتهاد”.
ولقد شارك في هذه التظاهرة العلمية التي احتضنتها قاعة نداء السلام بالكلية، علماء وأساتذة وباحثون من داخل الوطن ومن خارجه، من المملكة العربية السعودية وألمانيا، ناقشوا خلالها القضايا والتحديات الراهنة التي تعيشها الأسرة المسلمة عموما، والأسرة المغربية على وجه الخصوص. ومن ذلك مواضيع تهم بيان مقاصد الاسلام في الأسرة، والقيم التي تقوم عليها وتستديمها متماسكة قوي، مع الايضاح الكافي لأصول أحكام الأسرة في المذهب المالكي. وتناولت الندوة مواضيع أخرى رامت حل الإشكالات المثارة حول بعض المفاهيم، كمفهوم القوامة والحافظية والمساواة والتكامل الوظيفي بين الزوجين.
أما القضايا الراهنة التي تحتاج إلى نقاش مجتمعي بناء، كمسألة الاجتهاد المقاصدي في أحكام الأسرة وضوابطه الشرعية، وخاصة في مجالات الإرث وقضايا الإنجاب الصناعي والحمل، والتبرعات المالية للزوجة، وكقضية الأموال المكتسبة في فترة الزواج بين الاستقلال والاشتراك، وأيضا قضايا الزواج والطلاق في مدونة الأسرة، فقد دعت الورقات البحثية التي تناولتها إلى بسط الاجتهاد فيها بما يحقق مقاصد الشرع ويحفظ مصالح الأسرة ويدرأ عنها المفسدة.
وعالجت بعض ورقات الندوة قضايا الأسرة المغربية في بلاد المهجر وفي بعض الدول الأوربية على وجه الخصوص، كما تناولت بحوث أخرى كتابات بعض المفكرين المعاصرين واجتهاداتهم في قضايا الأسرة منهم علال الفاسي، ومحمد الغزالي، والفقيه عبد الله بن الطاهر السوسي التناني، وذلك بغرض يبان قدرة الفقه الإسلامي على التكيف مع القضايا الأسرية المستجدة على امتداد العصور.
وقد خلص الباحثون المشاركون إلى مجموعة من التوصيات منها:
-التمسك التام بثوابت الدولة المغربية عامة وفي كل ما يتعلق بأحكام الأسرة خاصة التي لا مجال للاجتهاد فيها.
-التنبيه على أن المس بالنصوص القطعية الدلالة من القرآن والحديث المنظمة لكل ما يتعلق بالأسرة، من شأنه أن يهدد السلم الاجتماعي لهذا الوطن العزيز، وأن يحدث فوضى في العلاقات الأسرية وتشويها لبنيتها وتحويلا لها عن أهدافها، بما لا سبيل إلى تحمل عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع.
-رفض جميع الدعوات التي تحاول المس بمؤسسة الاسرة وتغيير قيمها الضامنة لاستقرارها وقوتها حتى تتمكن من أداء الأدوار المنوطة بها.
-دعم مؤسسة الأسرة والتعامل معها باعتبارها أول وأهم مؤسسة تربوية، لما لها من دور مباشر في توطيد أمن البلاد والعباد.
-العناية بالقيم الأسرية من خلال التعريف بها والعمل على تبنيها من مؤسسات المجتمع المدني. ووضع خطط واستراتيجيات عملية وإجرائية لتعزيزها لدى المواطنين والمواطنات.
– السعي الجاد لإحداث مقررات دراسية تعنى ببناء ثقافة الواجبات الأسرية، وتنمية ثقافة التوازن بين الحقوق والواجبات داخل الأسرة، وكذا ترسيخ القيم الإسلامية في مجال الأسرة، باعتبارها القيم الوحيدة التي حفظت السلم والأمن والاستقرار للمجتمعات المسلمة على مدى عصور خلت، والعمل على التعريف بها في المجتمعات غير الإسلامية لثبات الحاجة الإنسانية والحضارية إليها.
-تشكيل لجان محلية ووطنية تعنى بالقضايا الأسرية ومشاكلها الواقعية ووضع خطط لتجاوزها.
– التركيز على مواطن الضعف التي أبان عنها التطبيق العملي لمدونة الأسرة واقتراح التعديلات الممكنة لتجاوزها.
-إنشاء مؤسسات علمية دورها التخطيط المستقبلي وبناء استراتيجيات كفيلة بحماية الأسرة ودعم الدراسات ذات هذا التوجه، في المجالات ذات الصلة.
-الدعوة إلى استثمار المنهج الاجتهادي التيسيري عند المالكية في الإجابة عن قضايا العصر ومستجداته، مع الدفع في اتجاه تحقيق التكامل المعرفي بين مختلف العلوم المعنية من فقه وقانون وعلم اجتماع وعلم النفس…
– إنجاز دراسات ميدانية تعنى بقضايا أسرية محددة مثل مسألة ثبوت الزوجية وزواج القاصر والتطليق للشقاق، وتبني نتائج هذه الدراسات بعد تكييفها مع أحكام الفقه الإسلامي.
– تكييف مقتضيات القانون للحالات الاستعجالية التي تطرح في المحاكم، وتبسيط المساطر حفاظا على مصلحة الأبناء في حالات متعددة منها حالات الحاجة إلى السفر بالأبناء أو تمدرسهم أو النفقة عليهم في حال طول فترة الحكم بالطلاق أو في حال الحكم بالسجن في حق أحد الوالدين، حتى لا يتضرر الأبناء من امتداد فترات إصدار الأحكام.
– فيما يتعلق بالمغاربة المقيمين بالخارج، تم اقتراح تعبئة الطاقات التفاوضية للدولة وتوجيهها نحو إبرام معاهدات واتفاقيات دولية تؤطر تطبيق القانون الوطني في الخارج وتفصل كيفيات وفرضيات هذا التطبيق، بما يضمن تنزيلا سليما ومشرفا ينأى به عن الاحتكام العشوائي للنظام العام الدولي، الذي لا يتناسب في حالات كثيرة مع احتياجات الأسر المغربية المسلمة ومرجعياتها وتقاليدها وأعرافها.