فكري ولد علي
في مشهد بهيج تزين بعبق الأصالة وروح الانتماء، أسدل الستار، مساء يوم الخميس 18 يونيو 2025، على فعاليات الدورة الأولى من “مهرجان الهوية المغربية”. تحت شعار “جسر الذاكرة وآفاق التنمية”، نسج هذا الحدث الثقافي البارز لوحة فنية جسدت عمق الإرث المغربي العريق، وذلك بجهود حثيثة من مقاطعة طنجة المدينة، والنيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، والبيت المغربي للمواطنة والتنمية وجمعية فضاء الأجيال والمستقبل. امتد المهرجان على مدى خمسة أيام، من 14 إلى 18 يونيو، محتضناً مدينة طنجة بفيض من الأنشطة التراثية والفكرية.

كرنفال الهوية: نبض الطفولة يحاكي تاريخ الوطن
استهل المهرجان أيامه بـ “كرنفال الهوية… حكاية وطن في عيون صغارنا”، الذي حول شوارع طنجة إلى فسيفساء من البراءة والبهجة. انطلق المسيرة يوم السبت 14 يونيو، في الحادية عشرة صباحاً، بمشاركة زهاء 250 طفلاً، من قلب المدينة العتيقة، لتعبر شوارعها العريقة وصولاً إلى ساحة 9 أبريل. اصطحبت الكرنفال فرقة نحاسية صدحت بأنغام وطنية، وتوجت الفعالية بتأدية جماعية للنشيد الوطني، عكست روح الوحدة والفخر. تواصل الاحتفال بانتقال المشاركين إلى فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، حيث أبدع التلاميذ في تقديم لوحات استعراضية حول “الذكرى 71 لليوم الوطني للمقاومة”، لتختتم هذه المحطة بزيارة لمعرض الحرف اليدوية بحضور السيد رئيس مقاطعة طنجة المدينة ونوابه، في لفتة تقدير للتراث والفنانين الصغار.

معرض الحرف اليدوية: أصالة تتجلى وإبداع لا ينضب
لم يكن معرض الصناعة التقليدية مجرد عرض لمنتجات، بل كان تجسيداً حياً لمفهوم الاقتصاد التضامني، ونافذة تطل على جماليات التراث المادي المغربي. هدف المعرض إلى دعم وتشجيع الحرفيين المحليين، وتسليط الضوء على منتجاتهم الأصيلة التي تروي حكايات الهوية المغربية العريقة بلمسة فنية فريدة. لقد شكل فرصة نادرة للزوار لاكتشاف مهارة وإبداع الصناع التقليديين، والتغلغل في تفاصيل حرفية متوارثة عبر الأجيال، مؤكداً أن التراث ليس مجرد ماضٍ، بل هو حاضر نابض ومستقبل واعد.

ندوة الهوية والمقاومة: حوار فكري يضيء مسارات الزمن
في ختام فعالياته الفكرية، استضاف المهرجان يوم الأربعاء 18 يونيو، ندوة علمية بعنوان “الهوية والمقاومة في المغرب: استمرارية التاريخ ومساءلة الراهن”. أثرى هذا اللقاء الفكري نخبة من الأساتذة الأجلاء: الأستاذ حسن بن يوسف النائب الجهوي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بطنجة، الدكتور الطيب بوتبقالت، أستاذ التاريخ المعاصر وعلوم الإعلام والتواصل ورئيس المركز الدولي للترجمة والتواصل بين الثقافات؛ والدكتور عبد الله أبو عوض، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة عبد المالك السعدي ونائب عميد الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش المكلف بملحقة القصر الكبير؛ بالإضافة إلى الأستاذ عبد السلام الطالبي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك الثانوي التأهيلي بثانوية الخوارزمي ومعهد الإمام نافع للتعليم العتيق. وسيرتها باقتدار الأستاذة حميدة الجازي القيمة على فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة.
استفاض الأساتذة الأفاضل في نقاش عميق حول العلاقة المحورية بين الهوية والمقاومة، مستعرضين تجلياتها في سياق التاريخ المغربي العريق. بحثوا في كيفية تشكل الهوية المغربية عبر فعل المقاومة المستمر، وكيف ظلت هذه الصيرورة فاعلة في مساءلة الراهن وتحديد ملامح المستقبل. تركز النقاش على محاور رئيسية توزعت بين الجذور التاريخية، والتجليات المعاصرة، والآفاق المستقبلية، مساهمة في إثراء النقاش الأكاديمي حول هذه الإشكالية المحورية، ومقدمة رؤى جديدة تسهم في فهم أعمق للذات المغربية وصلابتها في وجه التحديات.

الزليج المغربي: هوية بصرية تحكي قصة أصالة فنية
لم يقتصر نجاح المهرجان على محتواه الغني، بل امتد ليشمل هويته البصرية الآسرة. فقد اتخذ المهرجان، في نسخته الأولى، من فن الزليج المغربي العريق مصدر إلهامه ورمزاً بصرياً له. جسد الزليج، بتقسيماته الهندسية المعقدة وألوانه الزاهية التي تتراقص في تناغم، التقاء الماضي بالحاضر وتمازج الأصالة بالإبداع. وقد تجلت هذه الهوية البصرية الفريدة التي صممتها الأستاذة حميدة الجازي القيمة على فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بطنجة، في كافة المواد الترويجية والتصاميم، مانحة المهرجان طابعاً فنياً خالصاً يعكس جمال الحرفية المغربية ويرسخ مفهوم الهوية كنسيج متكامل من الفن والتاريخ، يفوح بعبق الإرث ويزهر بجماليات الإبداع..

حصاد النجاح وتطلعات للمستقبل
لقد استقطب مهرجان الهوية المغربية جمهوراً غفيراً من الزوار من مختلف الفئات العمرية والجنسيات، مؤكداً مكانته كمنصة ثقافية بارزة. وقد ساهم بفعالية في تعزيز الوعي بأهمية صون التراث الثقافي المغربي الأصيل ونقله للأجيال القادمة، مغذياً فيهم روح الفخر والاعتزاز.
وفي ختام الندوة العلمية تقدم المنظمون بجزيل الشكر والعرفان لجميع المشاركين، والشركاء المؤسساتيين والجمعويين، الذين بذلوا جهوداً جبارة، والجمهور الكريم الذي أثرى الحدث بحضوره وتفاعله، فإننا نؤكد التزامنا بمواصلة هذا المسير الثقافي.
وعبروا عن تطلعهم إلى تنظيم النسخ القادمة من مهرجان الهوية المغربية، لكي يستمر في بناء جسور التواصل بين الماضي والمستقبل، والاحتفاء بالتراث الثقافي المغربي الذي لا ينضب، ومكانة المغرب كمنارة للإشعاع الحضاري والإبداعي.


