توفيق الناصري: سكاي نيوز عربية
يواجه المغرب هذه السنة، موسما جافا لم يشهد مثله منذ ثمانينيات القرن الماضي، وسط قلق حكومي من أن يخلف الوضع واحدا من أسوء المواسم الفلاحية في المغرب.
وأشارت وكالة الأنباء الأميركية “بلومبرغ” في مقال نُشر حديثا إلى أن “نسبة التساقطات المطرية في المغرب هي الأدنى منذ ثلاثة عقود”.
وأوضح المصدر ذاته أن موجة الجفاف تهم منطقة شمال إفريقيا بأكملها، بل حتى دول جنوب أوروبا خاصة إسبانيا، التي تواجه خطر التصحر.
من جانبها، أرجعت الأرصاد الجوية المغربية، ضعف التساقطات المطرية الملحوظ خلال فصل الشتاء في المغرب وجنوب أوروبا، إلى الأحوال الجوية والمناخية “غير المواتية”.
موسم فلاحي “مقلق”
في ضواحي مدينة تازة شرقي المغرب، يعيش عدد من المزارعين حالة من الترقب لما قد تجود به السماء خلال شهري مارس وأبريل. فإلى حدود الساعة لم يروا من المطر ما يطفئ ظمأ الأرض، والكسابون بدؤوا يبيعون أغنامهم مقابل حفنة دراهم لأن الأرض شبه قاحلة وثمن العلف يكوي الجيوب.
نور الدين، فلاح خمسيني وأب لطفلتين، يكاد يجزم أنه لم ير مثيلا لهذه السنة من حيث شح التساقطات، وقال في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هذه الأوضاع التي لا تبشر بالخير، شح المياه أثقل كاهلنا. فلا نحن نستطيع سقي أرضنا ولا نحن نملأ بطون ماشيتنا، حتى النحل تراجع عدده وأصبحت الخلايا في بعض المناطق خالية”.
وأورد المتحدث قائلا: “إن ثمن كيس نخالة القمح قفز من 80 إلى 140 درهما، فيما انتقل سعر العلف من 200 إلى 250 درهم، هذا بالإضافة إلى “بالة” التبن (مجرفة بالعامية) التي انتقلت من 11 درهم إلى 28 درهما وفي بعض الأسواق إلى أكثر من 30 درهما”.
ورغم غياب الأمطار في توقعات الأرصاد الجوية خلال الأيام المقبلة، فإن الفلاحين والكسابين يلتزمون دون كلل برفع كفوفهم إلى السماء للصلاة وطلب المطر.
وقد عرفت المساجد المغربية إقامة صلاة استسقاء يوم الجمعة 4 فبراير بأمر من عاهل البلاد، وألقى الأئمة خطبة موحدة تضمنت مغزى هذه السُّنة، التي دأب المغاربة على إحيائها استدرارا لرحمة الله كلما تأخر المطر في النزول.
تراجع مخيف لحقينة السدود
واصلت نسبة ملء السدود في المغرب التراجع مسجلة أرقاما متدنية بالمقارنة مع السنوات الفارطة.
وأفادت وزارة التجهيز والماء بأن نسبة ملء السدود في المغرب بلغت إلى غاية 14 يناير الجاري 34.1 بالمئة، فيما وصلت النسبة في الفترة نفسها من السنة الماضية معدل 44 بالمئة.
وانخفضت حقينة سد الوحدة، وهو أكبر سد في المغرب، إلى 2 مليار متر مكعب، بنسبة ملء بلغت 57.9 بالمئة، حيث سجلت حقينته تراجعا بنصف مليار متر مكعب مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، إذ سجل آنذاك نسبة ملء بلغت 72.1 بالمئة.
تعليقا على هذه الأرقام، قال الخبير في البيئة والفاعل الجمعوي، محمد بنعبو: “هذا التراجع في حقينة السدود، يعود بالأساس إلى تراكم سنوات الجفاف، في الوقت الذي اتسمت فيه الحالة الهيدرولوجية بنقص في التساقطات المطرية، نتج عنه عجز في مختلف الأحواض المائية، في مقدمتها أحواض أم الربيع وملوية وتانسيفت. بينما سُجلت تساقطات مطرية جد متوسطة خلال الفترة الممتدة من سبتمبر 2020 إلى غاية 31 أكتوبر 2021، حيث تراوحت في المعدل ما بين 110 ملم بحوض ‘كير زيز غريس’ و515 ملم بحوض اللوكوس”.
وأكد الخبير لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “هذه التساقطات المطرية الضعيفة نتج عنها عجز على مستوى مختلف الأحواض المائية، كما نتجت عنها واردات مائية متوسطة، إذ بلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجلة بمجموع السدود الكبرى للمملكة إلى حدود 3 فبراير 2022 حوالي 5.459 مليارات متر مكعب، مقابل 46.7 بالمئة سجلت في التاريخ نفسه من السنة الماضية وهو ما يشكل عجزا مائيا كبيرا”.
في السياق ذاته، قال المتحدث، إن هذا الوضع “نقل المغرب من زمن العجز المائي إلى زمن الندرة، مما دفع المسؤولين إلى اتخاذ إجراءات استعجالية لتفادي السيناريو الأسوء ألا وهو شبح العطش. بينما سيمكن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت، التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في حالة عدم تحسن الحالة الهيدرولوجية”