مشروع “الفارابي” بالسعيدية هل أصبح واجهة لتجريد المواطنين من حقوقهم؟

يشهد مشروع “الفارابي” السكني بمدينة السعيدية تطورات متسارعة ومقلقة، تكشف عن اختلالات خطيرة في التدبير القانوني والمالي، وسط محاولات لإضفاء شرعية شكلية على إجراءات تمليك عقار لا يزال محجوزًا تحفظيًا، ويخضع لمساطر قضائية جارية تتعلق بتهم ثقيلة.

تأسست جمعية المتضررين من مشروع “الفارابي” بالسعيدية لتوحيد جهود أزيد من 110 منخرطا، أغلبهم من مغاربة الخارج، بهدف الدفاع عن حقوقهم، وتمثيلهم أمام الجهات المعنية، في ظل هشاشتهم الناتجة عن بعدهم الجغرافي، وما يرافقه من مخاطر التلاعب بمصالحهم.
ويأتي هذا التحرك في سياق بالغ الحساسية، بعدما أصبح المشروع، الذي تسهر على تسييره جمعية الأعمال الاجتماعية لموظفي الصحة بوجدة، في قلب عاصفة تنظيمية.

وعلاقة بهذا الملف، فقد كشفت خبرة قضائية عن اختلالات مالية وتقنية جسيمة، أفضت إلى إحالته على قاضي التحقيق، الذي قرر بتاريخ 5 يونيو 2024 متابعة رئيسة الجمعية، وأمين المال، والمقاول المكلف بالإنجاز، أمام القضاء الزجري، بتهم ثقيلة تشمل النصب، وخيانة الأمانة، وعدم تنفيذ عقود، والتصرف في مال مشاع قبل اقتسامه، إضافة إلى التصرف في أموال غير قابلة للتفويت.
وتأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه المشروع من جمود تام منذ سنة 2018، إذ لم تتجاوز نسبة الإنجاز 30 شقة شبه مكتملة، إلى جانب 72 وحدة سكنية غير مكتملة، تعاني من اختلالات تقنية وتدهور في البنية.
ورغم هذا الوضع المتعثر، تُسجّل، مع اقتراب كل موسم صيف، تحركات مريبة تهدف إلى تمرير شهادة تسليم مؤقت، في ما يبدو محاولة لاستباق مخرجات النزاع القضائي القائم، والتعجيل بإجراءات تجزيء وتفويت جزء كبير من الوعاء العقاري لفائدة أطراف ثالثة، مقابل ديون ضخمة مفتعلة لا تزال محل طعن قضائي.

وما يثير القلق، هو أن هذه التحركات، بحسب معطيات متقاطعة، يقف وراءها أحد نواب مجلس جماعة وجدة، يُقال إنه الذراع الأيمن للرئيسة المتابعة قضائيًا، ويدّعي امتلاكه علاقات واسعة ونفوذًا كبيرًا، زاعمًا قدرته على “انتزاع” آجال التمديد وشهادة التسليم المؤقت.
وقد أصبح، وفق نفس المصادر، المحرك الرئيسي لهذه المبادرات، مستفيدًا من خبرته كمتمرن سابق في المجلس الجماعي لوجدة، وصفته كنائب لرئيسة الجمعية، فضلًا عن كونه منخرطًا شخصيًا في المشروع.
في العمق، بات من الواضح أن الجمعية المشرفة على المشروع فقدت معظم مقومات الشرعية القانونية، منذ إحداث مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية لموظفي الصحة، التي حلت محلها كمؤسسة رسمية، ومنذ ذلك الحين، توقفت الجمعية عن أداء أي دور اجتماعي، حتى في علاقتها بموظفي الصحة، وتم إفراغها من مقرها، مع استقالة غالبية أعضائها. ورغم ذلك، تواصل تقديم نفسها كطرف مالك حصري للعقار، في تغييب تام للممولين الذين تتجاوز مساهماتهم 6 مليارات سنتيم.
ومما زاد الملف تعقيدًا، الكشف عن اتفاق وُصف بالمريب، تم بموجبه فسخ العقد مع المقاول سنة 2022، دون تحميله أية مسؤولية تقنية أو مالية، رغم الاختلالات الجسيمة في سير الأشغال. والمثير للدهشة أن هذا المقاول، الذي سبق أن تسلم أكثر من 4 مليارات سنتيم، أصبح يتمتع بتفويضات مكتوبة تخوله تمليك وبيع وتجزيء أجزاء واسعة من الوعاء العقاري، الذي تبلغ مساحته 7500 متر مربع، ويشمل أراضٍ مخصصة للفيلات، وأخرى للبناء العمودي. ما يعني أن المقاول انتقل فعليًا من كونه منفذًا للأشغال، إلى مالك مفترض لجزء كبير من المشروع، دون أي إنجاز يناسب ما تلقاه من أموال، مما يثير شكوكًا حول نوايا الجمعية في تأمين مخرج يُعفيه من المسؤولية دون ضمانات.
من هنا، يتضح أن الغاية الحقيقية من هذه المناورات والإصرار على انتزاع شهادة التسليم المؤقت، لا تتعلق باستكمال الأشغال، أو تمكين المساهمين من شققهم، بل تهدف أساسًا إلى تمهيد الطريق لعملية تجزيء وتفويت لممتلكات الغير.

هذا الواقع يفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول حجم التواطؤ المحتمل بين الأطراف المدبرة، ومستوى الرقابة على المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، خصوصًا تلك الموجهة للجالية المغربية بالخارج، التي راهنت على استثمار آمن في الوطن، لتجد نفسها رهينة اختلالات جسيمة قد ترقى إلى جرائم مالية.
وفي ظل هذه المؤشرات المقلقة، تبرز الحاجة الملحة لتدخل عاجل من الجهات المختصة، لوقف كل الإجراءات الإدارية المرتبطة بالمشروع، وفرض احترام المساطر القانونية، وعدم إصدار أي شهادة تسليم مؤقت إلا بعد استكمال الأشغال بالكامل، ومصادقة المكاتب التقنية المختصة على مطابقتها لدفتر التحملات، كما ينبغي التأكد من الصفة القانونية لكل من يدّعي تمثيل الممولين، وضمان ألا يتم التصرف في العقار استنادًا إلى جمعية فاقدة للشرعية أو وضعيات قانونية منعدمة.

ولا يفوتنا أن نتقدم بجزيل الشكر لسلطات إقليم بركان ومدينة السعيدية، وكذا للمجلس الجماعي لجماعة السعيدية، ولمصالح التعمير بالإقليم، وللخلية المكلفة بالجالية، على يقظتهم وتفاعلهم المسؤول، وعلى الدور الهام الذي يقومون به في مواكبة انشغالات أفراد الجالية، والتنسيق الفعّال لمعالجة مثل هذه الملفات.
إن ما يجري اليوم في مشروع “الفارابي” لا يُختزل في تعثر تقني أو مالي، بل هو أزمة ثقة في مؤسسة جمعوية يفترض أن تكون في خدمة المواطن، لا أن تتحول إلى واجهة لتجريد الممولين من حقوقهم المشروعة.

عظيم التقدير للسلطات القضائية الموقرة، لما أظهرته من رصانة واحترافية رفيعة في التعاطي مع هذا الملف المعقد، وما تبذله من جهود مخلصة لترسيخ مبادئ العدالة وتعزيز سيادة القانون بروح من الحياد والمسؤولية.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

على حساب المركز الفدرالي للسعيدية …. فريق ‘ ليزمو’ -فئة أقل من 15سنة- يتوج ببطولة الصفوة الجهوية

رابطة الرياضيين الاستقلاليين تنظم دوريا في كرة القدم و تكرم فعاليات رياضية بقاعة 16 غشت بوجدة