بقلم: عبد الحفيظ حساني
بعد الكثير من القيل والقال عن مباراة المحاماة وحرب المواقع الاجتماعية المؤطرة في جوهرها في العديد من القضايا بالصراع (السياسي/ الإيديولوجي) بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، دعونا نفكر ونحلل هذا الملف ونمارس النقد من خارج هذه الرؤية المسيطرة على النقاش العام الذي تم تسطيحه وتلبيسه بغطاء ومفهوم “الركراكية والوهابية”.
علينا أن نتناول الموضوع من جوانب متعددة، وعلى رأسها قضية التشغيل وخلق فرص الشغل للشباب العاطل، خصوصا حاملي الشهادات.
بداية وكملاحظة أولية يجب أن نقر بأن هاته المهن القضائية الحرة كالمحاماة والتوثيق العصري والأعوان القضائيين والعدول وغيرها هي مهن لا تكلف الدولة اعتمادات ومناصب مالية، باستثناء ما ينفق على فترة التكوين في معاهد التكوين القضائي، وهي تكاليف يمكن اعتبارها جد هزيلة ومحدودة، عوض إغلاق قاعات التكوين وتحويلها في غيابه إلى قاعات للحفلات أو مناسبات أخرى، واضمحلال أدوارها كما وقع للعديد من المعاهد العلمية.
عندما نقول – وهذه حقيقة موضوعية – بأن هذه المهن القضائية الحرة لا تكلف مناصب مالية، يبقى السؤال الحقيقي مشروعا لماذا لم تفتح هذه المباريات بنسب نجاح كبيرة عبر ممر السنين وتوالي الحكومات لامتصاص عطالة الشباب المعطل حاملي الشهادات؟ بل لماذا لا تلغى أصلا هذه المباريات، ويبقى الباب مفتوحا للعاطلين حاملي الشهادات الراغبين في ممارسة المهنة، والقادرين على فتح مكاتب للعمل، مع اقتصار مزاولة المهنة على طلب (بمثابة تصريح) من الوزارة المعنية بدل اجتياز المباراة والحصول على شهادة الأهلية؟.
المسألة جد واضحة، هناك لوبيات تمنع انتشار ممارسة المهنة حتى تحافظ هذه المهنة الشريفة على سمعتها، أي دخلها المعفى أصلا من الضريبة العامة على الدخل… إنها الحقيقة!.
لو أخدنا الموضوع من موقع الشباب العاطل، ومن موقع الدفاع على قضية التشغيل، فإن رفع نسبة الولوج إلى ممارسة مهنة المحاماة من 800 فرصة شغل (مكتب محاماة) إلى 2800 فرصة شغل، فإن ذلك يعتبر موقفا إيجابيا ويجب تشجيعه، والمطالبة برفع النسبة ومضاعفتها إلى عشرات الآلاف في السنوات القادمة، وفي جميع المهن القضائية الحرة الأخرى، في أفق إلغاء المباريات الخاصة بها، والاقتصار على تصريح حاملي الشهادات الراغبين في ذلك.
إن مصلحة وأهداف اللوبيات واضحة في معارضة أي توسع أو انتشار للمهن القضائية الحرة بمنطق الربح المادي، وليس بمنطق الحفاظ على السمعة كما يدعون، لأن عملية (بمنطق النفي) الانتشار والتوسع ستجعل المنافسة أقوى والبقاء في الميدان للكفاءات القادرة على المزاولة، والتي لها مهارات مهنية، وهو ما سيحسن السمعة، بدل الإساءة إليها، كما هو اليوم حال حالها.
إن رفع القيود عن مزاولة المهن القضائية الحرة، وتحريرها من قبضة اللوبيات، أكيد سيساهم من جهة أخرى في ظل المنافسة من تخفيض تكاليف الارتفاق إلى القضاء، وتخفيض مصاريف التعامل مع جميع مؤسساته مثل أتعاب المحامي، الحصول على الوثائق العدلية (الزواج / الطلاق / الإراثة…)، وكذلك التخفيض من تكاليف التوثيق، خصوصا في البيوعات العقارية التي تنزف جيوب المواطنين بالملايين.
ونحن ندافع عن قضية التشغيل من باب فتح المجال للمعطلين حاملي الشهادات، نثمن مسألة رفع نسبة الناجحين في مباراة المحاماة وجميع المهن القضائية الحرة، ونطالب في الأفق بتعمبم مزاولة المهنة، وإلغاء المباراة مع الاعتماد على الكفاءة في المزاولة التي تضمن الاستمرارية والبقاء في الميدان.
لو كسرنا شوكة اللوبيات سنكون قد ساهمنا في التخفيف نسبيا من نسبة العطالة التي أذكتها بشكل ممنهج السياسات المتعاقبة، وصولا إلى العمل بالعقدة، وتسقيف سن التشغيل في 30 سنة الذي زرع اليأس القاتل في صفوف الشباب العاطل.
وفي الأخير، وفي سياق كتابة هذه المقالة المتواضعة (وليس من باب إقحام الذات)، تذكرت بمرارة مسألة إقصائي من مزاولة مهنة المحاماة، رغم اجتياز المباراة الكتابية ثلات مرات بعد تخرجي من الجامعة – وذلك – بسبب الاعتقال السياسي، حيث إنني رفضت تقديم طلب رد الاعتبار القضائي ،وتشبث بمواقفي (والعمر والزمن يكبران بداخلي) إلى حين استنفاد مدة رد الاعتبار القانوني، والتحاقي بالوظيفة العمومية. هكذا يتم الإقصاء الممنهج لأبناء الشعب بطلب رد الاعتبار، تكريسا لظهير “كل ما من شأنه” ودفاعا عن “أخلاقيات وسمعة المهنة”.