بقلم ذ. عبد القادر مسعودي
إن التفاعل في المجال المشترك يقتضي من الفاعل ضبط شروط التفاعل من زاوية إيجابية طبعا، هذا من منطلق افتراض أننا واعون بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا، والكل من موقعه.. ما يثيرني ويثير الضحك رغم عمق الجرح هو كلمة انتهى، كل من تكلم أو يتكلم يختم كلامه بها وكأنه يغلق باب بيته في وجه غرباء، رغم أن الأمر يتعلق بوطن نتقاسمه جميعا رغم حقد الحاقدين. لنقف عند هذه الكلمة ونحللها قدر المستطاع، ونضعها في سياق الأحداث الكبرى علنا نكتشف سحرا غائبا عنا نحن العدميين، هكذا يسموننا للأسف لأننا لا نصفق ولا ننخرط في جوقة التطبيل…
هل المقصود بكلمة انتهى أنه لا مجال للنقاش في أمور وطنية؟ لاحق لنا في ملامسة قضايانا؟ لاحق لنا في التعبير عما يخالجنا؟ ومن أصدر هذا القرار؟ هل أصبحنا مجبرين على قبول الأمر الواقع؟ هل نحن عاجزون عن الإبداع؟ إنها أسئلة كثيرة على إيقاع ضعف مركزنا القانوني والواقعي والإنساني.. و…و… لقد ألغوا كياننا للأسف. كل من تحدث ينصرف ويغلق الباب وراءه، في وجه قطيع مشغول بالتهام آخر جرعات قيمنا، مشغول بالسب والشتم ونشر الغسيل…. شحذنا أدوات تدمير بعضنا البعض. لهم الحق من هذه الناحية أن يغلقوا الأبواب في وجوهنا، لأننا هكذا أثبتنا أننا لا نستحق العيش الجماعي. هم صدوا الأبواب علينا، لا بأس نحن “المزاليط” أن نستعير نفس العملة، ونصد الأبواب في وجه بعضنا البعض… هم يعيشون حياتهم في الواقع، ونحن نستنسخ، بل نعيش حياة مستنسخة، إنها علاقة ثنائية غريبة، علاقة بيننا وبينهم، و علاقة فيما بيننا. كيف نفكك هذه الثنائية رغم أنه ليس من السهل رسم بداية الاشتغال على هذا الهدف في غياب أدنى شروطه؟ وهل الوقت يسعفنا لاستدراك ما ضاع منا؟ هل نلعب الدقيقة 90 أم فاتنا القطار ولا سبيل لعلاج الوضع، وانتهى الكلام… وفي هذا السياق تأتي الكلمة الملاكة من كل محظوظ، ارتوى برحمة الدخول في خانة الريع…
وعلى ذكر الاستنساخ، فبإسقاطه على أحزابنا ونقاباتنا وجمعياتنا، سنجده سديدا في معناه، أحزاب لا تؤطر، نقابات تأكل بعضها البعض، جمعيات تنهش بكل قوة من المال العام، لا وجود لقوانينها وأدبياتها إلا في ملفاتها القانونية، أما في الواقع، فدورها لا يتعدى القانون الخاص الذي سطره مهندسها، بعيدا عن أنظار المحاسبة…
أخشى أن نكون نلعب الوقت الضائع، وهذا هو الراجح من حالة اليأس التي خيمت على مفاصل الوطن. أحزاب تتصارع في مؤتمراتها، أحزاب تقسمت إلى شيع وفرق، تيارات تصحيح وتيارات استمرار لكن بعمق واحد… هو الاستحواذ على مداخل الريع والقرب، إنها انتكاسة حقيقية نعيشها وننتظر حال البلد يتبدل. لا نوفر الأسباب ولا نعمل على علاج معضلات واقعنا. إن هامش الزمن الضائع يتسع، وفرص استعادة خيوط النقاشات العمومية تضيق، والسؤال العريض الذي يطرح في خضم ردات الفعل لدينا بدل المواقف، لأن المسافة بين الموقف وردة الفعل شاسعة، وتضيق وتتسع عدما ووجودا مع انخراطنا من عدمه في توفير سبل الارتقاء بالمجال المشترك، هو هل من سبيل لتطويق أزمتها الحضارية؟ هل لازال الوقت يسعفنا أم أننا فوتنا فرص التغيير وإلى إشعار آخر؟
الحقيقة الوحيدة التي لا ينكرها أحد هي بدل أن نكون جزءا من الحل أصبحنا كل المشكل. لا مجال للمزايدة أمام واقع عنيد يكشف معدن وأثر كل واحد في عملية الدفع في اتجاه تغيير سلس يستوعب الجميع، بعيدا عن منطق صناعة كاريزما واهية، لأننا جميعا ساهمنا في هشاشة وطن. فقط نختلف في نسبة ودرجة الخطأ.