تكتبها: سمية أجواو
تزوجت “فاطمة” رجلا ليس في الوجود مثله، وبعد شهرين من زواجهما أخبرها أنه يحب غيرها، ويرغب في الرحيل إليها، وأنه شديد الحب والولع بها، فقالت له: تحبها أكثر مني؟.
أجابها: نعم
قالت: إذهب إليها وتزوجها، فسعادتك سعادتي….
أجابها: ولكني لا أملك المال الكافي….
قالت: خذ مجوهراتي وبعها، واذهب لمن تحب، رفض “مصطفى” وقال: قد تحتاجينها يوما، دعيها لك؟…
وبعد إلحاح منها، وافق وأخذ مجوهراتها وباعها، ثم سافر إلى حبيبته التي أخذت كل ما لديه، تاركا وراءه عروسا حديثة العهد في الزواج.
مر شهر…شهران… الثالث، الرابع والخامس، ثم السادس دون أن يزورها…اتصلت به لتخبره أنها حامل، وتحتاج إلى وجوده، بجانبها، وأنها تعاني أمراضا بسبب الحمل، وأنها ترغب في رعايتها كونها عروسا جديدة، خصوصا أن زوجها قضى معها فقد شهرين بعد زواجهما، في المقابل لقيت منه التهرب بداعي أنه مشغول ولا يستطيع زيارتها.
لم يعرف حينها أنه تركها تمسح دموعها ليل نهار، وتتجرع الحسرات التي حاصرتها من كل جانب، فأحيانا كان يمر الشهر دون أن يكلمها، وعندما يكلمها تخفي دموعها وصوتها المبحوح وتتظاهر بالقوة، فيا له من زوج قاس ترك زوجته ليبحث عن أخرى، ويا لها من زوجة تبيع كل ما لديها من أجل إسعاده.
وفي يوم من الأيام، رن جرس الهاتف، فأسرعت لترفع السماعة لتسمع صوتا يكلمها من بعيد ويقول لها: “جهزي نفسك، أنا قادم لأخذك أنا وأمك”، فأجابته في دهشة: “لماذا يا أبي، أنا في أمان، وزوجي قادم في الطريق من عمله…تمتم الأب قليلا وصرخ في وجهها بصوت مرتفع: جهزي نفسك، ثم أغلق الهاتف.
أحست حينها، أن شيئا ما ليس على ما يرام، فربطت الاتصال بمحمد، الأخ الأكبر لمصطفى، وأخبرته بما طلبه أبوها منها، غير أن محمد رد عليها بأن تسمع كلام أبيها وتذهب معه، ثم طلب مها أن تأخذ جميع أغراضها، بعدها أجهش بالبكاء، فسألته وهي مستغربة لما سمعته: لماذا يا محمد، هل طلقني زوجي؟، غير أن محمد أغلق جواله دون أن يجيبها.
شرعت فاطمة بجمع ما لديها من أغراض، ودموعها لم تتوقف حزنا لما يجري حولها، وعلى ما فعله أبوها بها.
وفي تمام الواحدة ظهرا، طرق والدي فاطمة الباب، وبرفقتهما محمد، فقفزت في حضن أمها تشتكي لها ما حدث من زوجها مصطفى، “أرأيت يا أمي ما فعله الخائن بي، فبعد كل ما ضحيت به من أجله ضحى وطلقني”، حينها ضمتها أمها وبكت بحرارة، ولم تستطع التكلم، فتدخل والد فاطمة ليخبرها بالمفاجأة التي لم تكن تتوقعها، وقال لها: “إحتسبي يا ابنتي، فزوجك مصطفى شهيد عند الله، مستطردا:” لقد استشهد “.
ابتسمت فاطمة وضحكت بصوت مرتفع، وصاحت قائلة: “هذا يعني أنه لم يطلقني!؟ لم يتزوج علي!؟ لم يحب امرأة أخرى غيري!؟”، فأجابها أبوها ووجهه شاحب من كثرة الحزن: “لا يا فاطمة، زوجك خرج من بيتك لأنه يعشق الشهادة ويحب الآخرة”، فوالله إن رائحة المسك تفوح من جسده، والابتسامة ارتسمت على محياه، فاصبري واحتسبي”.
امتلكت فاطمة نفسها، وحمدت الله كثيرا، ثم دخلت غرفتها، حينها انتابتها حالة من الحزن والبكاء والفرح في آن واحد، وقالت: “أخيرا وجد زوجي حبيبته التي تركني من أجلها، واختار الشهادة التي عشقها، فقد ترك زوجته الشابة، والدفء الأسري والهدوء، لينام تحت البرد القارس، ويحتمي في الخنادق، تحت زخات الرصاص، وأصوات القذائف والصواريخ، فهنيئا لك العز، هنيئا لك الجنان.
وداعا زوجي الحبيب، وداعا يا قرة عيني، فقد تركت في أحشائي بذرة منك، فإن كان ذكرا سأسميه مصطفى، وإن كانت أنثى فشهادة، أسأل الله أن يجمعني بك في جنات الخلد وألقاك قريبا.