بقلم الدكتور زهر الدين طيبي: أستاذ باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة
الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لثورة الملك والشعب تناول ثلاثة محاور أساسية، يمكن تحديدها في محور داخلي يهم الانتخابات الثلاثية المزمع إجراؤها في الثامن من شتنبر القادم، ثم محور الهجمات المدروسة التي يتعرض لها المغرب والأسباب الكامنة وراءها، وأخيرا المحور المتعلق بالعلاقات المغربية مع دول الجوار خاصة اسبانيا.
بخصوص المحور الداخلي المرتبط بالتحديات التي سيتم رفعها في الاستحقاقات المقبلة، فقد ركز الخطاب الملكي على كون ثورة الملك والشعب هي ثورة مستمرة ومتجددة وليست مجرد ذكرى، وهي تتزامن وتأتي قبل أيام من الانتخابات المقبلة البرلمانية والجهوية والجماعية المقررة في الثامن من شهر شتنبر ، المعول عليها لإفراز مؤسسات قوية يمكنها تنزيل النموذج التنموي والجهوية المتقدمة، ويبدو واضحا أن عمق الممارسة الديمقراطية ونضج العمل السياسي جعلت المغرب يحترم تاريخ المحطات الانتخابية رغم ظروف الجائحة على اعتبار أن الانتخابات في حد ذاتها ليست غاية، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات قوية نابعة من صناديق الاقتراع تخدم مصالح الوطن والمواطنين، لكون الدولة تكون قوية بمؤسساتها وبتكريس الديمقراطية.
طبعًا المؤسسات القوية تعني الشفافية والنزاهة والمصداقية التي يجب أن تعم هذه الانتخابات حتى تفرز نخبة قادرة على تحريك دواليب المؤسسات وتنزيل النموذج التنموي لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وكذا الجبائية في إطار التوزيع العادل للثروات.
في إطار المحور الثاني المرتبط بالهجمات المدروسة التي بات يتعرض لها المغرب وأجهزته الأمنية من طرف دول ومنظمات دولية تخدم أجندات معينة، فقد ركز الخطاب الملكي على كون هذه المؤامرات تستهدف المملكة بسبب نعمة الأمن والاستقرار التي تنعم بهما في ظل التقلبات العالمية، خاصة على مستوى المحيط الإقليمي، ولنا في تونس والجزائر وليبيا خير دليل، ولكن استهداف المغرب يمكن شرحه بمعادلة المواقف السياسية التي ليست في واقع الأمر سوى انعكاس للمصالح الاقتصادية الكامنة خلفها، فالمغرب أصبح قوة إقليمية صاعدة تحظى بمكانتها وبالثقة على الصعيدين الجهوي والدولي، ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، المغرب هو بوابة نحو إفريقيا بموقعه الاستراتيجي، وبات ثاني مستثمر في إفريقيا، وله مؤسسات بنكية وبنيات اقتصادية تسمح له بأن يكون فاعلا حقيقيا وهمزة وصل للاستثمارات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، وهذا الوضع يقلق الدول التي دأبت على استنزاف خيرات إفريقيا، وباتت ترى في المغرب منافسا لها في إفريقيا، هناك ترسيم الحدود البحرية مع إسبانيا، وجبل “تروبيك”الذي سيغير الموازين بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جهة، وأمريكا وبريطانيا من جهة ثانية، في ظل التقارب المغربي الأمريكي واعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، وهو ما أربك حسابات ألمانيا التي طالبت مباشرة بعقد اجتماع لمجلس الأمن لتدارس هذا الاعتراف وفشلت في ذلك، وجاءت بعدها العديد من تقارير المنظمات الدولية المناوئة للمغرب، والتي في واقع الأمر لا تخدم سوى هذه الأجندات، وهذه الدول التي لا زالت تفكر بمنطق استعماري وتخاف على مصالحها ونفوذها في الدول المغاربية، ولعل الأزمة التي حدثت في العلاقات المغربية الإسبانية واحدة من تجلياتها، لأن استقبال زعيم الانفصاليين بالتراب الإسباني لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر هذه العلاقات التقليدية بعد ترسيم الحدود البحرية من جانب المغرب، وأيضا في إطار الحفاظ على مصالحها من الغاز والبترول الجزائري. طبعا يحق لها ذلك ويحق لها تنويع الشركاء، ولكن ليس على حساب المصالح العليا للمغرب.
أما محاولة تشويه سمعة المؤسسات الأمنية، فإنه لا يصح إلا الصحيح، لأن هذه الدول تنسق وتتعاون مع هذه المؤسسات الأمنية التي أبانت عن فعاليتها ونجاعتها في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكانت دائما صمام أمان للدفاع عن الوطن ومؤسساته رغم انزعاج الأعداء وحقد الحاقدين، وبالتالي فمحاولة توريط المغرب في العديد من المؤامرات والحملة الواسعة لتشويه سمعة المؤسسات الأمنية باتت واضحة المعالم من حيث الواقفون خلفها والخلفيات التي تحركهم، وهي لن تزيد هذه المؤسسات إلا قوة ونجاعة واستمرارية في نهجها لحماية الوطن ومقدساته.
أما المحور الأخير في الخطاب الملكي، فهو يتعلق بالعلاقات مع دول الجوار، خاصة إسبانيا وفرنسا، فبخصوص إسبانيا كانت هناك أزمة حقيقية، على اعتبار أن قواعد التعامل تغيرت، وهناك عودة تدريجية لهذه العلاقات المتينة على أساس الوضوح، لأن المغرب لم يغير توجهه الاستراتيجي، كما يزعم البعض، ولكنه بات أكثر من أي وقت مضى حريصا على عدم قبول المس بمصالحه العليا، فلا يعقل أن ترفض إسبانيا الانفصال في بلدها وتقبله في بلد جار وشريك اقتصادي كالمغرب، من هنا فإن عودة العلاقات المغربية الإسبانية لطبيعتها سوف تكون على أساس الفهم المشترك لمصالح البلدين والثوابت التقليدية التي أسست لهذه العلاقات مع الجارة الشمالية.
خلاصة القول أن الهدف هو فتح صفحة جديدة في هذه العلاقات على أساس الثقة والوفاء بالالتزامات والاحترام المتبادل، كما كان الشأن دائما مع فرنسا والعلاقات المتميزة التي تجمع بين زعيمي البلدين في إطار شبكة العلاقات المتينة والمتميزة التي تجمع المغرب مع العديد من الدول الصديقة والحليفة.
آخر الكلام هو أن المغرب اليوم أمام مرحلة جديدة في مساره كقوة اقتصادية صاعدة، ويحتاج لرفع العديد من التحديات الداخلية والخارجية.