ادريس هابي
أشعرني هاتفي المحمول بأن في جعبته مراسلة هاتفية، وعلي الاطلاع عليها حالا، ولما استجليت الأمر، ألفيت أن صاحبها هو الأستاذ فوزي العربي، النجل الأكبر لصديقي الحاج محمد العربي رحمه الله، ودون تردد شرعت أقرأ الرسالة، فإذا هو يخبرني بأنه قرر أن يقدم خزانة أبيه التي تحوي ما يربو على خمسمائة كتاب، وعددا غير قليل من المجلات العلمية والأدبية، منحة إلى أحد المعاهد الوطنية التي تشرف على تكوين وتأهيل الأطر الأمنية على اختلاف رتبها ومسؤولياتها.
استحسنت الخاطر الذي خطر على بال الأستاذ فوزي لأن
تنفيذه، والإقدام على جعله حقيقة مشاهدة، سوف ينجم عنه نفع كبير وفائدة واسعة، وذلك لعمري خير من أن تبقى تلك الكمية من الكتب والمجلات حبيسة الخزانة المنزلية إلى أجل غيرمسمى، وخير من أن تكون الاستفادة محصورة في عدد قليل من الناس هم أهل المرحوم، وربما بعض ذوي قرابته.
إنه عمل صالح بكل المقاييس قررت أسرة المرحوم الحاج محمد العرابي إنجازه، في غير تأخير علما منها بأنه صدقة جارية، سوف ترجح ميزان المرحوم، وتزكي حسناته يوم يقوم الناس للحساب والجزاء، يوم لاينفع مال والبنون والجاه والحسب والنسب، وإدراكا منها أيضا أنها سوف تقدم خدمة جليلة لكثير من الطلبة تغنيهم عن السعي والبحث عن المراجع.
وأسرة العربي وهي من هي في مجال الخير والكرم بهذه المبادرة القيمة، تحذو حذو أسر عرفناها بالمعاينة والقراءة، توفي رجالها وكانوا من العلماء والقضاة والأساتذة، وتركوا كنوزا من الأسفار، ذات القدر الكبير والكتب ذات النفع الغزير، فسارعت إلى إهدائها كلها أوجلها إلى من سوف ينهل من معينها أفرادا، أو مؤسسات علمية، أو دينية، أوخيرية، ترجو بذلك وجه الله تعالى، وتهدف إلى نشر الثقافة والوعي بين المواطنين، ولو أن زمرة من ذوي الثروة والغنى نهجوا نفس النهج، وسلكوا المسلك ذاته، وأنشأوا الخزانات العمومية، وجعلوها حبسا على الفقراء ومتوسطي الحال التي أتاحت لكثير من طالبي العلم أن يستمروا في التحصيل إلى آخر المطاف، وبلوغ الغايات فيكثر العلماء والباحثون، وعندها يكون الوطن في خير حال، وتكون الأمة في أرقى وأسمى منزلة.
راقتني الفكرة التي دارت في خلد الأستاذ فوزي، وتخيلت النفع الكبير الذي سوف ينجم من تنفيذها، والإقبال الذي سوف تراه الخزانة التي سوف تحظى بذلك الكم الهائل من المراجع، فأسرعت إلى الاتصال به، وتشجيعه على الشروع في هذه المبادرة الكريمة السارة.
ويطيب لي أن أهنئ أسرة العربي على هذا العمل الصالح، وأرجو من كل قلبي أن يكون صدقة جارية مسطورة في سجل المرحوم محمد العربي، يعتز بها يوم الحشر يوم يقال لكل فرد: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
هذا، ولا يخامرني أدنى ريب، في أن الإقدام على هذا العمل الصالح الذي هو بمثابة إسعاف بالنسبة إلى طلبة العلم، وإسهام في تنمية الوطن في جانبه الثقافي، سوف يثلج صدر روح فقيدنا العزيز، ويفعمها راحة وطمأنينة لأن الله تعالى ألهم أولاده إلى أخذ هذه المبادرة الطيبة.